الصحة النفسية

اضطراب ثنائي القطب: التشخيص والعلاج المبكر لتفادي الانتحار!

الأمراض و العلل النفسية تشكل فئة معتبرة من الاضطرابات الشائعة في مجتمعنا. عدد المرضى المصابين بها لا يشكل أقلية مقارنة بعدد المرضى و الأشخاص الذين يقومون بالفحص الطبي العادي أو زيارة الاستعجالات. إذا قمنا بتصنيف طبي للاضطراب ثنائي القطب (troubles bipolaires)، فهو يندرج ضمن اضطرابات المزاج أو العاطفة، تماما كالاكتئاب أو حالات الفرح و الابتهاج المفرط (manie) أو الهوس. يجدر الذكر أنه ليس هوسا بمعناه الموجود في الوسواس القهري.

تعتبر المشاعر جزء أساسي من التركيبة النفسية البشرية، و ككل التركيبات البشرية فأنظمتها و آلياتها معرضة للعطب و الخلل. حالة اضطراب ثنائي القطب إحدى أشهر الاضطرابات و من بين الأكثر شيوعاً.

في هذا المقال، سيتم الحديث عن الأسباب و التشخيص السريري و العلاج الممكن لهذا النوع من اضطرابات المزاج.

أسباب الاضطراب ثنائي القطب:

  • التعرض الجيني المسبق و وجود حالات مشابهة ضمن العائلة يزيد من نسبة أو احتمال ظهور هذا الاضطراب الذي ينشأ في الغالب في مرحلة عمرية بين العشرين و الثلاثين سنة.
  • النمط المعيشي و التجارب الحياتية و التأثير الاجتماعي له دور مهم، و إن غاب الدليل المادي فالإحصائيات و الدراسات الإحصائية تبين علاقة بين أنماط عيش و مجتمعات محددة و هذا الاضطراب.
  • الاضطراب الكيميائي في النواقل العصبية يبقى إحدى الأسس التي يقوم عليها العلاج و كذلك إحدى الأسباب المحتملة و يعتبر التأثير العلاجي لبعض الجزيئات دليلا عكسيا لدعم هذه الفرضية.
  • الدوبامين و السيروتونين و كذلك النورادرينالين إحدى الهرمونات و النواقل العصبية التي تنظم حالات الإنسان المزاجية، و كل اختلال في توازنها يظهر بجلاء على استجابات العضوية المزاجية.

يبقى السبب الحقيقي لنشوء اضطرابات مماثلة مصدرا لخلق نقاشات علمية عديدة حول فهم النفسية البشرية، و يبقى السبب الرئيسي أو المحدد غائبا بل و يجتمع الكثير من العلماء على تعدد العوامل.

تشخيص اضطراب ثنائي القطب:

كأغلب الاضطرابات النفسية، يعتمد التشخيص على الحوار و الاستبيان الطبي. حيث يقدر الطبيب العام أو المختص حالة المريض من خلال عديد الأسئلة التي تقوده لجمع المعلومات الكافية لطرح هذا التشخيص. كل هذا مع الحفاظ على إمكانية وجود مرض عضوي كامن وراء الطبيعة النفسية للاضطراب ( أورام الدماغ أو الغدد) أو تعاطي الكوكايين أو الامفيثامين.

يعبر الشخص المصاب بالاضطراب ثنائي القطب عن عواطفه بكثافة مفرطة ويواجه أحيانًا صعوبة في السيطرة عليها. قد يمر على المصاب مثلا حدث معين، فيعيشه إما بحزن عميق، أو سعادة بالغة.

كما يدل الاسم، يوجد قطبان يعتمد عليهما تشخيص اضطراب ثنائي القطب:

الاكتئاب:

هو حالة مزاجية يغلب عليها الحزن أو برود و تبلد المشاعر و عديد الأعراض الأخرى التي قد تكون سببا في فقدان تقدير الذات و تأنيب مستمر لضمير المصاب.

قد يصبح المصابون بالاكتئاب قليلي أو عديمي الاهتمام بما اعتدوا فعله و قد يبالغون في خمولهم أو نومهم و يفقدون كل رغبة في الحياة وصولا إلى حالات الانتحار.

الهوس أو فرط الابتهاج:

تعتبر هذه الحالة استجابة انفعالية من الفرح و النشاط المبالغ الذي لا يتماشى و الموقف المعاش. و قد يعتبر المصاب هذا الأمر شعورا جيدا بالرغم من وجود خلل قد لا يلاحظه شخصيا لكن قد يعيق سيرورة أدائه المهني أو التعليمي أو الاجتماعي. حيث يحس بتسارع شديد في الأفكار مع حماس مبالغ لأداء العديد من المهام.

يوجد حالتين من الهوس أو فرط الابتهاج: الهوس و الهوس الخفيف hypomania.

فترة الأعراض السالفة الذكر أو القطبين السابقين تختلف من شخص لآخر، قد تدوم النوبات (حالات ممزوجة من القطبين) من بضعة أيام و أسابيع إلى مدة ثلاث أو ستة أشهر.

قد تتكون النوبة من حالات اكتئاب و نوبة هوس أو حالات اكتئاب و نوبة هوس خفيف أو نوبات مختلطة للإثنين. و كل هذا يرجع لتقدير استشاري في الطب النفسي.

بعد تصنيف و تحديد نوع اضطراب ثنائي القطب و عمل التحاليل البيولوجية اللازمة و أحيانا تصوير الرنين المغناطيسي، يباشر الطبيب المختص في عمله العلاجي.

علاجات اضطراب ثنائي القطب:

تضم العلاجات ثلاث علاجات أساسية :

  1. معدِّلات المزاج stabilisateurs d’humeurs
  2. العلاج النفسي psychothérapie
  3. التعليم و الدعم

معدِّلات المزاج:

  • الليثيوم
  • الأدوية المضادة للاختلاجات antiepileptique (فالبروات، كاربامازيبين)
  • أدوية علاج الذهان antipsychotiques
  • مضادات الاكتئاب

العلاج النفسي:

يعتبر إحدى أعمدة العلاج في الاضطراب ثنائي القطب، حيث يعتبر وسيلة متابعة و توجيه للمريض.

التعليم و الدعم:

جمع المعرفة الكافية عن الحالة المرضية من المريض نفسه إحدى السبل العلاجية و التي تساهم في تحسين و دعم حالته عبر تقبلها و فهمها نسبيا.

و تعتبر جماعات الدعم، سواء من المصابين بشتى الاضطرابات أو الدعم العائلي و المحيط إحدى الأمور التي يجب التشديد عليها، فإعادة إدماج هذه الفئة وسط مجتمعهم سبيل لإكسابهم الثقة اللازمة ربما لتجاوز إصابتهم أو تخفيف حدتها.

بعض العلاجات قد تثبت نجاعتها مستقبلا و هي قيد الدراسة. العلاج الكهربي و العلاج الضوئي أثبت نفعه في عديد الحالات ما يجعل القوس مفتوحا على الدوام نحو فهم أفضل و علاج و اهتمام أحسن بهذا الاضطراب.

المصدر
MSD : بروفيسور ويليام كوريال - كلية الطب كارفر | جامعة لوا
اظهر المزيد

Dr Litim Mounir

طبيب عام، مساهم بعدة مقالات في مجلة العلوم الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى