يشكل الجهاز الهضمي و التركيبات التشريحية التي تكونه مكمن راحة أو انزعاج لنا كبشر حسب حالة الهضم. يتأثر الهضم كثيرا بالمحفزات الداخلية أو الخارجية أكانت ميكانيكية أو كيميائية أو نفسية. اضطرابات الهضم الشائعة و الأكثر انتشارا هي الإسهال و الإمساك، و كل منهما يعاكس الآخر في آليات نشوءه أو طرق علاجه.
ما كتب أعلاه يمثل عموما و تقريبا نظرة موجزة عن الاضطرابات الهضمية التي يعيشها الجميع في فترات معينة من حياتهم. و يعتبر تبني نمط معيشي معاصر سببا رئيسيا لنشوء خلل في وظيفة الأمعاء و اضطرابات التبرز أو الهضم.
في هذا المقال سيتم التطرق لمفهوم و آلية الإمساك و بعض الأسباب التي يمكن أن تكون العامل المحفز لظهور هذا العرض. كما سنشرح السبل العلاجية الفعالة في التخلص من الإمساك، و بعض مضاعفات العلاجات التي تستعمل بطريقة مبالغة.
ما هو الإمساك؟
يعرف الإمساك على أنه صعوبة في عملية التبرز أو ندرة طرح الفضلات مع تغير في قوامها الذي يميل للصلابة عكس ما يحدث في الإسهال. و قد تكون أيضا عملية تبرز غير مكتملة.
أعراض تستدعي الانتباه:
لا يجب التقليل من شأن الإمساك كعرض شائع، و لا يجب كذلك المبالغة في القلق منه كذلك (و هو ما يجب تفاديه تجنبا لتطور نوع من الوسواس المرضي).
كل عرض ذو طبيعة مشكوك فيها أو ذو تأثير ملاحظ على الحالة العامة للمريض يجب أخذه بعين الاعتبار. هناك العديد من العلامات التي قد تستدعي استشارة طبية عامة قصد التوجيه إذا استدعت الضرورة، لأن التخلص من الإمساك يتطلب معرفة مسبباته الرئيسية.
هناك أعراض تصاحب الإمساك يجب الانتباه لها، نذكر منها:
- انتفاخ ملاحظ و مفاجئ للبطن.
- التقيؤ المتكرر و الذي قد يصل لحد خروج قيء ممزوج ببراز عن طريق الفم.
- دم مصاحب للبراز.
- انخفاض ملاحظ و محسوس للوزن.
- إمساك حديث الظهور ذو أعراض حرجة لدى شخص كبير في السن ( 75 سنة فما فوق).
آلية الإمساك:
يعتبر القولون كجزء مهم في عملية طرح الفضلات المكمن الرئيسي لمشاكل الإمساك، حيث يقوم بأجزائه المختلفة بامتصاص الماء و الشوارد و تخزين ما مر من المعي الدقيق (يتم هذا في القولون الصاعد يمينا و القولون الأفقي). كذلك يتم التحكم في عملية التبرز عن طريق نشاط الجزء الأيسر منه الذي يتحكم في حركية المخلفات الناتجة عن نهاية الهضم.
يتناقص نشاط القولون الأيسر خلال النوم و يتزايد عند الاستيقاظ أو بعد الأكل ما يفسر حاجتنا للتبرز عند هذه الفترات الزمنية على الأغلب.
من بين آليات الإمساك:
- وجود عائق لخروج الفضلات القابلة و المهيئة للطرح.
- مشكلة تقدم الفضلات عبر القولون بسبب نقص الألياف.
- ضعف عضلات القولون، ما يجعل حركته و تحريك الفضلات بطيئا بشكل يجعلها شبه ساكنة.
- مشاكل الإخراج و الإطراح، مثلا: مسلك شرجي ذو نشاط عضلي قوي، مشاكل في مستقبلات الفتحة الشرجية، فرط نشاط فتحة الشرج خلال التبرز.
أمراض يعتبر الإمساك إحدى أعراضها:
كما ذكرنا سابقا، تعتبر عملية الهضم و التبرز عملية شديدة التغير و التأثر بعوامل متعلقة بالنمط المعيشي و الحمية الغذائية المتبعة.
إلا أن الإمساك قد يكون عرضا مصاحبا لعديد الأمراض التي نذكر منها:
- الانسداد المعوي بسبب وجود مثلا براز مُتيبّس fécalome أو التواء المعي الغليظ أو الفتق
- التهاب الصفاق péritonite (أحد مسببات الإمساك الحاد)
- تضرر الجهاز العصبي بسبب إصابة في الرأس أو غيرها من الإصابات التي قد تتشارك و تتقاطع بوظيفة حركة الأمعاء
- ملازمة السرير لعدة أسباب مختلفة
- سرطانات التجويف البطني باختلافها
- حالات طبية كأمراض الغدد مثل السكري و نقص نشاط الغدة الدرقية
- تناول بعض الأدوية كمضادات الحساسية و مضادات الدهان أو مضادات الإسهال
- القولون العصبي
- الأغذية الفقيرة من الألياف
- الاستعمال المبالغ لمضادات الإمساك.
يوجد المزيد و الكثير من الأمراض التي لم يتم ذكرها و هذا لكثرتها و تنوعها، فكل مرض أو اضطراب يملك آليات و طرق مختلفة للتسبب بالإمساك. البعض تم توضيحها و الأخرى ما زالت قيد الدراسة.
العلاجات:
انطلاقا من الآليات المُسببة، يمكن استنتاج حلول تفيد في التخلص من الإمساك، والذي يعتبر حميدا في الغالب.
إن علاج الإمساك كعرض منفصل قد يستوجب الانطلاق من طرق طبيعية معتادة عبر تغيير الحمية الغذائية، القيام بنشاطات بدنية، تبني معيشة معينة وصولا إلى علاجه ضمن سبب مرضي معين (مثل استئصال ورم كسرطان القولون).
الحمية الغذائية و السلوكات الحياتية:
تلعب الأغذية دورا مهما و أساسيا في علاج اضطرابات الهضم العديدة، و تعتبر الأغذية الغنية بالألياف إحدى أنجع العلاجات الطبيعية في التخلص من الإمساك، شرط زيادتها التدريجية ضمن الحمية.
القمح الكامل و مخبوزاته و الخضر المطهوة و شرب كميات كافية من المياه يساعد بشكل كبير في تليين ما يتم طرحه خارج الجسم و الجهاز الهضمي، وبالتالي التخلص من الإمساك بطريقة طبيعية.
بعض المغذيات تحتوي على مواد فعالة تزيد من حركية المعي الغليظ أو تقدم المخلفات نحو المستقيم. و أغلبها تستخلص على شكل أدوية.
بالنسبة لمرضى الوسواس القهري فيجب إيضاح فكرة أن التبرز ليس بالضرورة شيئا يوميا و يجب علاج هذا الاضطراب بمعزل عن الإمساك المحسوس من طرفهم.
الحمية الغذائية لا تكفي في حالات عديدة.
قد ينصح بممارسة نشاط بدني منتظم للمساعدة على الهضم.
يمكن اعتماد سلوك يومي قائم على استعمال دورة المياه يوميا لمحاولة التغوط صباحا بعد الفطور.
الأدوية:
- الملينات المحتوية على الألياف الغير قابلة للهضم كالسيليلوز.
- محفزات الحركة المعوية أو محفزات الإفرازات القولونية لضمان تقدم المخلفات عبر الجهاز الهضمي نحو المستقيم و تسهيل انزلاقها، كل هذا عبر تهييج المستقبلات العصبية الموجودة في بطانة الأمعاء (فينولفتاليين، بيساكوديل..).
- العوامل الملينة الاسموزية: هي شوارد و مواد تزيد من كمية الماء المتواجدة في تجويف القولون عبر جذب الماء من الوسط الداخل خلوي إلى فراغ المعي الغليظ (بولي-إثلين-غليكول، لاكتولوز، سوربيتول، فوسفاط، سولفات..).
- المكملات الغذائية التي تشكل الألياف و الملينات مزيجا فعالا فيها للتخلص من الإمساك.
تدريب العضلات الشرجية و عضلات الحوض:
يتم هذا بمساعدة أخصائي في التأهيل الحركي أو الفيزيائي، عبر عدة تمارين متخصصة، يكون الهدف منها الحصول على النتائج المرجوة عن طريق التحكم في العضلات في الوقت المناسب عند التغوط.
الجراحة كحل في التخلص من الإمساك؟
للجراحة أسباب معينة متعلقة غالبا بالعوائق الميكانيكية العضوية أو الأجسام الغريبة. يمكن لبعض العيوب الخلقية أو التغيرات التشريحية أن تكون سببا في اللجوء إلى جراحات معينة لضمان وظيفة طبيعية للجهاز الهضمي.
يجدر التلميح إلى وجود حالات من التهابات القولون التي ترجع إلى الاستخدام الغير مناسب للملينات و الأدوية المعالجة للإمساك. و قد تصاحبها كذلك خسائر و تغيرات في شوارد الدم نتيجة زيادة الإفرازات الهضمية و طرحها مع البراز.