الأنف، الأذن والحنجرة

التهاب الجيوب الأنفية: التشخيص الحاد أو المزمن، الأسباب والعلاج

قبل الخوض في الأمراض التي تمس الجيوب الأنفية، على القارئ أن يعرف أولا المقصود بالجيوب الأنفية أو طبيعتها التشريحية و موقع كل منها. تعتبر الجيوب الأنفية تجاويف داخل عظم الجمجمة، ترتبط من خلال فتحات صغيرة بالتجويف الأنفي. عند حدوث التهاب أو تورم في التجويف الأنفي تصبح هذه الفتحات سهلة الانسداد ما يجعل من الصعب خروج إفرازات الجيوب الأنفية متسببة في التهابها أو حدوث تعفنات و إنتانات أحيانا ضمن ما يسمى بحالة التهاب الجيوب الأنفية.

تبقى الوظيفة التشريحية أو الحيوية للجيوب الأنفية مصدر غموض، فيمكنها القيام بدور ميكانيكي واقي من الصدمات الأمامية أو تعمل كعازل أو معدل لحرارة الهواء المار عبر التجويف الأنفي أو ترطيبه.

أربع أزواج من الجيوب الأنفية لدى الإنسان:

  1.  الفكية العلوية maxillaire
  2.  الجبهية frontal
  3.  الغربالية ethmoïde : اسمها يصعب معرفة مكانها، و للتوضيح هذه الجيوب تقع بين العينين و الأنف.
  4.  الوتدية sphénoïde : جيوب تقع خلف الجيوب الغربالية و وسط قاعدة الجمجمة.

مكان الجيوب الأنفية يلعب دورا في تباين الأعراض الملاحظة لدى المريض، و حتى في مسببات أو مضاعفات الالتهاب بحكم البنى التشريحية المجاورة المختلفة.

حسب مدة و تكرر الأعراض، يمكن تصنيف الالتهابات إلى فئتين: حادة و مزمنة.

أعراض التهاب الجيوب الأنفية:

تتشارك الالتهابات الحادة و المزمنة في الأعراض ذات الطبيعة المتقاربة سريريا و المختلفة كرونولوجيا أو زمنيا.

في المتوسط تكون مدة الالتهابات الحادة من 3 أيام إلى ثلاثة أسابيع. و تتجاوز الالتهابات المزمنة هذا القدر بكثير، حيث تعرف حسب المراجع الطبية بأعراض تستمر لمدة تتجاوز الثلاثة أشهر على مدار العام.

تشمل أعراض التهاب الجيوب الأنفية ما يلي:

  • سيلان الأنف: يختلف لون و رائحة مخاط الأنف و كل له دلالة على المسبب، ففي الغالب تكون الإفرازات الناتجة عن العدوى الفيروسية فاتحة و من دون رائحة، عكس العدوى البكتيرية التي تكون فيها الإفرازات أقوى رائحة و أكثر سمكا و اصفرارا.
  • انسداد الأنف.
  • احمرار العين أو تورم الجفون.
  • آلام ذات طبيعة مختلفة: صداع الرأس، آلام عند ضغط الوجه، آلام في العين أو الأنف و كذلك إحساس بثقل جهة الجيب المصاب.
  • اضطرابات الشم : من نقص الشم إلى الفقدان النهائي له.
  • تفاعلات تحسُّسية: حكة في الأنف أو العين، العطس
  • سعال أو انزعاج في الحلق.
  • حمى أو إعياء في حالات الالتهابات الناتجة عن عدوى.
  • هناك أعراض غير مذكورة قد ترتبط بالمضاعفات و التي سيتم التطرق لها لاحقا.

التشخيص:

تشخيص التهاب الجيوب الأنفية لدى الشخص البالغ يعتمد على مجموعة من المعطيات السريرية (الأعراض السابقة الذكر) بالإضافة إلى اختبارات معينة حسب التوجيه الذي تقدمه الأعراض و المعطيات المقدمة من طرف المريض.

تشخيص التهاب الجيوب الأنفية الحاد:

عند ظهور الأعراض السابقة الذكر، يتعين على المريض الخضوع لفحص الأنف و الأذن و الحنجرة. يضيف هذا الفحص، إضافة إلى شكاوي المريض، معطيات أخرى تتعلق بتورم أو التهاب التجويف الأنفي و ما إذا كان هناك التهاب أو إفرازات خلفية في الحلق. كما يسمح الفحص السريري بأخذ نظرة حول حالة الأسنان.

بما أن العدوى الفيروسية أو البكتيرية هي المسببات الرئيسية لالتهابات الجيوب الأنفية الحادة، فتزامنها مع فترات معينة مع السنة يعتبر حجة لوضع التشخيص (الفيروسات الأنفية rhinovirus أو الفيروسات التاجية Corona virus).

أغلب الالتهابات تتركز في الجيوب الفكية العلوية، أما باقي الجيوب فتشخيص التهاباتها الحادة قد يتطلب رأي أخصائي و تصوير إشعاعي مقطعي أو رنين مغناطيسي في حالة التخوف من المضاعفات.

المدة الزمنية هي المفتاح للتفريق بين الالتهابات الحادة و المزمنة.

تشخيص التهاب الجيوب الأنفية المزمن:

تتجاوز مدة الأعراض المذكورة أعلاه الثلاثة أشهر خلال العام، دون نسيان استمرار بعض المؤشرات على الإصابة المزمنة بين نوبات الالتهاب الحاد.

من هنا يمكن القول أن الالتهابات الحادة قد تخفي وراءها التهابات مزمنة. تبقى ظروف و شروط ظهور الأعراض و كذلك الماضي الطبي الشخصي و العائلي للمصاب حجج تشخيصية.

الأسباب:

قد تكون التهابات الجيوب الأنفية المزمنة نتيجة لِـ:

  1. حساسية الجيوب الأنفية: يدعم هذا التشخيص ظهور أعراض تحسسية كالعطاس و حكة الأنف و احمرار العين. كما أن سؤال المريض قد يوجه الطبيب إلى طلب رأي اختصاصي أمراض الحساسية للبحث عن المسبب الذي قد يكون موسميا أو منزليا. يمكن تحديد العنصر المحسس أحيانا عبر اختبار مناعي بسيط، عن طريق استثارة الجلد بوضع المادة المحتملة على المريض.
  2. الالتهاب الموضعي المزمن: غالبا ما يمس الجيب الفكي العلوي، و السبب الشائع له وجود تسوسات أسنان أو التهابات مختلفة تصيب الفك العلوي و أجزاءه. وجود جسم غريب داخل الجيوب الأنفية قد يكون سببا آخر في مثل هذه الالتهابات.
  3. التهاب مزمن ناتج عن العدوى البكتيرية: في مثل هذه الحالات يكون الجهاز المناعي ضعيفا أيا كان السبب، و قد يتطور هذا النوع من الالتهابات لدى أشخاص يعانون من أمراض معينة كالتليف الكيسي cyctic fibrosis، أو خلل في حركة الأهداب الخلوية dyskinésie ciliaire.
  4. الالتهابات الأخرى: التهابات ناتجة عن اضطراب هرموني كخمول الغدة الدرقية.
  5. الأورام الحميدة.
  6. الحمل.
  7. خلل في تعضيل جدران الأوعية الدموية vasomotrice.
  8. حالة خاصة تدعى rhinosinusite non allergique a éosinophile.

مضاعفات التهاب الجيوب الأنفية:

هناك اثنان من المضاعفات التي يتوجب الحذر منها عند علاج التهابات الجيوب الأنفية: إصابة العين و إصابة الجهاز العصبي المركزي.

مضاعفات متعلقة بالعين:

  • تورم الجفن.
  • إصابة العضلات المسؤولة عن حركة العين بالشلل.
  • العمى المؤقت أو الدائم حسب سرعة التدخل و طبيعة الالتهاب.
  • التهاب الملتحمة.
  • جحوظ العين.

مضاعفات عصبية:

  • تخثرات و التهابات الأوعية الدموية في الجيب الكهفي sinus caverneux.
  • علامات على التهاب و إصابة السحايا التي تغلف الجهاز العصبي.
  • آلام رأس حادة.
  • غيبوبة أو فقدان موضعي لبعض الوظائف الحركية أو الحسية أو حتى الإدراكية.

مضاعفات جلدية:

و إن كانت أقل خطرا، فالمضاعفات الجلدية يمكن أن توجد و تنتج عن التهابات الجيوب الأنفية. قد تتمثل في تجمعات القيح أو تورمات و آلام موضعية مجاورة للجيوب المصابة.

علاج التهاب الجيوب الأنفية:

لا يمكن الاختصار أو التبسيط بشكل كافي و وافي، فالعلاج المتعلق بالتهابات الجيوب الأنفية الحادة أو المزمنة يتباين حسب الحالة و التشخيص و كذلك حسب تحسن و تطور حالة المريض بالعلاج الدوائي.

قد يتطلب العلاج تدخلا دوائيا أو جراحيا حسب درجة الاستعجال و الخطورة المحتملة.

أدوية مستعملة خلال التهاب الجيوب الأنفية:

  • مزيلات الألم كالباراسيتامول.
  • مخففات التورم أو الستيروويدات الموضعية.
  • المضادات الحيوية.
  • المحاليل الفيزيولوجية المالحة (ماء البحر).
  • مضادات الحساسية.
  • مخفضات الحرارة.

التدخل الجراحي:

كل حالة من حالات التهاب الجيوب الأنفية تتعين دراستها جيدا قبل أخذ قرار بالتدخل الجراحي.

بعض التدخلات الجراحية تكون من طرف جراحي الأسنان في حالة الالتهابات المزمنة الموضعية التي تسببها تسوسات الأسنان مثلا.

البعض الآخر يتطلب جراحة معقدة، كالتهاب الجيب الأنفي الوتدي تجنبا للمضاعفات. لكن يبقى هذا التدخل مصدر اختلاف بشأن توقيته.

الحالات الخاصة كالأطفال لاختلاف بنيتهم التشريحية، و كذلك نضجهم، تجعل من التهاب الجيوب الأنفية حالة استثنائية تختلف عن الحالات الملاحظة لدى البالغين. كما تختلف الاستراتيجية العلاجية المتبعة لدى هذه الفئة. يشمل الاستثناء أيضا مرضى الربو و غيره من الأمراض التنفسية المزمنة.

اظهر المزيد

Dr Litim Mounir

طبيب عام، مساهم بعدة مقالات في مجلة العلوم الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى