إن أمكن تشبيه الكبد بشيء من حياتنا اليومية فهو أقرب ما يكون إلى مصنع مواد كيميائية و إعادة تدوير أو محطة تصفية مياه. يمتلك الكبد وظائف متعددة متعلقة إما بالهضم أو الأيض أو تصنيع و تفعيل الجزيئات الحيوية اللازمة للعضوية. إن ذكر القليل فهذا لمدى اتساع مجال الوظائف التي يختص بها الكبد، فهو عضو شديد الأهمية و خسارته تعني بدون شك خسارة الحياة. تصيب الكبد التهابات لأسباب عدة، و الالتهابات الشائعة و المعروفة غالبا عند العامة هي الالتهابات الفيروسية الكبدية، لكن التهاب الكبد لا يقتصر على المسبب الفيروسي فقط، فعامل المناعة و السموم (كالكحول..) قد تكون سببا آخر لالتهابات الكبد.
هذا المقال سيتطرق باختصار لأعراض و مضاعفات التهاب الكبد و كذلك المسببات و العلاجات المتاحة عموما إضافة إلى سبل الوقاية.
أعراض التهاب الكبد:
غالبا ما تكون الأعراض ذات طبيعتين حادة و عابرة أو مزمنة و مستمرة، حسب التطور الكلينيكي للالتهاب أو منشئه. عموما تتلخص الأعراض في:
- إعياء و وهن ذو مدة متباينة (لا يجب الخلط مع الأسباب الأخرى).
- ارتفاع طفيف لدرجة حرارة الجسم أو حمى تتجاوز 38٫5 درجة مئوية.
- اصفرار الجلد و الأنسجة المخاطية (يرقان) و الذي نعرفه في عاميتنا بالـ “صفاير”.
- حكة أحيانا.
- ألم في المنطقة العلوية اليمنى للبطن (أسفل الأضلاع).
- بول داكن.
- براز مائل إلى البياض أو فاقد للونه المعتاد (بني أو أصفر بني ).
- حالة مشابهة لحالة الإنفلونزا syndrome pseudo-grippale بما تضمه من آلام مفاصل و عضلات و آلام الرأس و حمى و رجفان.
- فقدان شهية، قيء، غثيان.
- أعراض متعلقة بالجهاز العصبي (نادرة الحدوث)
- في الحالات المزمنة قد نلاحظ: نزيف هضمي علوي و أعراض مرتبطة بالفشل الكبدي.
أسباب التهاب الكبد:
الفيروسات:
الكبد هدف محبب لبعض الفيروسات التي يستقطبها هذا العضو، تدعى بالفيروسات الكبدية hepatotrope، كما أنه هدف لبعض الفيروسات الأخرى كذلك، كالهربسيات herpès و فيروس مضخم الخلايا cyto-megalovirus أو فيروس ابشتاين-بار EBV.
تضم الفيروسات الكبدية خمسة فيروسات:
- A : و انتقاله يتم عن طريق الفم
- B : أحد الفيروسات التي قد تكون سببا في التهاب الكبد الفيروسي B المزمن، ينتقل عبر الدم أو بعض إفرازات الجسم كالمني.
- C: كالفيروس الأول ينتقل عن طريق الفم و لكنه كالفيروس الثاني يمكن أن يصبح مسؤولا عن التهاب كبدي مزمن.
- D: لا يستطيع هذا الفيروس نسخ نفسه إلا بوجود عدوى متزامنة مع الالتهاب الفيروسي B. ينتقل كوسيطه عبر الدم و بعض سوائل الجسم الأخرى.
- E: ينتقل الفيروس عبر الفم و لا يحتاج لعدوى مصاحبة كسابقه.
التهاب الكبد المناعي:
كغيره من أمراض المناعة الذاتية، عند توفر الظروف الملائمة و الشروط التي يجهلها المجتمع العلمي حاليا، يمكن أن يحدث هذا النوع من الالتهاب في فترات متباينة من عمر الإنسان واضعا وظيفة الكبد على المحك في أية لحظة.
التهاب الكبد الكحولي:
إدمان الكحول أو الكميات الكبيرة المستهلكة منه قد تكون سببا في ضرر الكبد وظيفيا و تشريحيا من ناحية و قد يكون عاملا لظهور حالة حادة من التدهور في وظيفة الكبد المصاب بتشمع مسبق.
الأدوية:
كما ذكر أعلاه، يعد الكبد مصنعا عضويا و منشطا لجزيئات ذات فعالية علاجية أو سُمّية عالية، منخفضة أو منعدمة. بمجرد مرورها بالكبد محملة في مجرى الدم القادم عبر الأوردة و الشرايين داخل الكبد، تصبح بعض الجزيئات ذات سُمّية كبدية أكبر، ما يسبب أضرار بنسيجه السليم أو المصاب قبلا. أشهر مثال على الأدوية التي تزداد سميتها عند مرورها بالكبد هو الباراسيتامول.
أسباب أخرى:
التهابات الكبد لا تقتصر على المذكورة أعلاه فقط، فالبكتيريا قد تلعب دورا كذلك (مرض اللايم lyme)، الأمراض التشريحية للبنى المجاورة أو الملتصقة بالكبد قد تكون سببا في تضرره إلى جانب العديد من العوامل التي تسبب تدهور وظيفته الحيوية. لا ننسى الطفيليات كالأميبا و البلهارسيا أو الأمراض الوراثية و التي قد تكون أقل شيوعاً و اكثر ندرة لكنها مسبب لالتهاب الكبد.
تشخيص التهاب الكبد:
يعتمد التشخيص على معطيات سريرية و بيولوجية أو تصويرية لرؤية التغير المورفولوجي في الكبد.
المعطيات السريرية قد توجه المختص أو المريض للتفكير في إصابة الكبد، أما البيولوجية فستوضح بشكل أفضل ذلك من خلال تحاليل غير نوعية لنسبة البيليروبين في الدم أو نسبة الإنزيمات الكبدية. أما تحاليل الأجسام المضادة و مستضدات الفيروسات الكبدية فتمثل إحدى التحاليل النوعية لالتهاب الكبد الفيروسي.
االايكوغرافي أو الموجات فوق الصوتية تعتبر إحدى الوسائل التشخيصية بجانب المتابعة الطبية لبعض حالات الالتهاب المزمنة.
لا يمكن جمع كل ما يتعلق بكل نوع في مقال واحد، لهذا كانت هذه النظرة عن التشخيص عامة فقط.
المضاعفات:
- التهاب الكبد الحاد الشديد.
- الفشل الكبدي الحاد.
- تليف و تشمع الكبد.
- سرطان الكبد.
- دوالي البلعوم أو المعدة و ما تسببه من نزيف هضمي علوي عند تمزقها.
- الاعتلال الدماغي الكبدي: و الذي يلاحظ عبر تغير الوظائف العصبية من إدراك و ذاكرة.
- قد تصل الاعتلالات الدماغية إلى حد الغيبوبة بسبب معاناة الدماغ من تراكم السموم التي كان الكبد مسؤولا عن معالجتها.
- استسقاء البطن (و الذي يعرف زيادة في حجمه تختلف حسب الحالة).
- اضطرابات في عوامل تخثر الدم.
تتراوح خطورة هذه المضاعفات حسب الحالة و السبب و تحمل المريض لها، لكن الكبد ليس عضوا ميكانيكيا يمكن استبداله أو تعويض عمله بسهولة.
تبقى زراعة الكبد الحل الأمثل للمضاعفات التي لا نقاش في خطورتها. و تبقى الوقاية الحل الأمثل و الأول في مجابهة مرض التهاب الكبد الفيروسي أو حتى الكحولي و الناتج عن الأدوية.
علاج التهاب الكبد:
- لا بديل عن الوقاية في حالات التهاب الكبد الفيروسي أو الناتج عن الكحول أو الأدوية.
- تجنب التعرض لسوائل الجسم المشبوهة سواء في إطار العمل أو في إطار العلاقات الجنسية أو تعاطي المخدرات بالحقن يبقى عاملا مهما للتقليل من نسب العدوى.
- تجنب الأدوية المضرة بالكبد و الكحول و اتباع إرشادات الطبيب أو الصيدلي شيء مهم، خاصة للأشخاص المعرضين للمضاعفات الحادة الخطيرة.
- التلقيح ضد التهاب الفيروس الكبدي B أمر محوري لدى ممارسي بعض الوظائف.
- علاج الحالات الحادة قد يستدعي المكوث في المستشفى تحت المراقبة و التدخل الطبي و أحيانا زراعة مستعجلة للكبد.
- بعض الأنواع من التهابات الكبد تتطلب علاج دوائي يتضمن الستيروويدات القشرية أو مخفضات المناعة.
- زراعة الكبد في الحالات المزمنة و حالات تشمع الكبد أو السرطان تبقى حلا علاجيا و إن كان الأمر معقد عمليا في الميدان الطبي بحكم نسبة النجاح المنخفضة نسبيا مقارنة بأخرى و ندرة المتبرعين.