هناك أسباب مختلفة قد تؤدي إلى ظهور آلام الرأس، و برغم شيوع هذا العرض كدافع لزيارة الطبيب، إلا أن تعدد الآليات المسببة و المحفزة لظهوره تجعل من الصعب وضع صورة واضحة للمريض عن سبب ما يعانيه. أحد آلام الرأس المؤثرة على جودة حياة المرضى هي الصداع النصفي أو ما يدعى في عاميتنا بالشقيقة.
اكتشف معنا في هذا المقال مفهوم الصداع النصفي، الآلية الفيزيولجية التي قد تكون سببا في نشوء هذا النوع من الآلام، متى يجب طلب استشارة طبية، و كذلك طرق التشخيص و مختلف العلاجات المسكنة التي تخص هذا النوع بالذات من آلام الرأس.
ماهو الصداع النصفي أو الشقيقة؟
الصداع النصفي أكثر آلام الرأس شيوعا، و تبعا لتصنيف آلام الرأس، فالصداع النصفي هو ألم رأس أولي. قد يصاحب هذا النوع من الآلام نوع من الأعراض التي تدعى aura أو الهالة، و هي حالة من الهلوسة الحسية التي تسبق نشوء الصداع، قد تكون عبارة عن رائحة غريبة، رؤية ضبابية أو حساسية ضوئية، طنين الأذن.
يتميز الصداع النصفي بطبيعته النابضة و التي تمس في الأغلب كما يوحي اسمه، جهة واحدة من الرأس، فيكون سواء على شكل صداع أيمن أو أيسر.
تختلف شدته و مدته من شخص لآخر، و تظهر الدراسات ارتباط الماضي العائلي الطبي بزيادة نسبة الإصابة به.
آلية نشوءه:
تعتبر الأعصاب و الأوعية الدموية اللاعبان الرئيسيان في نشوء الشقيقة أو الصداع النصفي، عبر عملية التهابية نتيجة عامل محفز ما. تقوم الببتيدات العصبية (نواقل كيميائية) بتحفيز العملية الالتهابية للأوعية الدموية مسببة حالة من فرط التنبيه العصبي في مناطق مختلفة من الدماغ.
العديد من العوامل المحفزة قد تكون سببا في نشوء هذه الآلية:
- نقص النوم
- النظام الغذائي الغير منتظم
- التنبيهات العصبية المتكررة كالأصوات أو الأضواء
- العديد من الأطعمة و المشروبات كالمنبهات و مشروبات الطاقة
- التغيرات الهرمونية لدى النساء
- القلق
- تغيرات الطقس
هذا و قد يسبق أو يصاحب العوامل المحفزة حالة من الأحاسيس و الهلوسات الحسية المعروفة باسم الهالة (aura).
قد تتضمن هذه الهالة الحسية ومضات ضوئية أو حالات من اختلال التوازن، و قد تحدث هذه الهالة الحسية دون حدوث نوبات صداع نصفي أو قد تصاحبها نوبات خفيفة.
آلام الشقيقة قد تتصاحب و اضطرابات أخرى حسب شدة النوبات، مثل القيء، حساسية مفرطة للضوء و الصوت، و كذلك صعوبة التركيز. قد تؤثر هذه الأعراض بشدة على الأداء الاجتماعي أو المهني للفرد المصاب.
التشخيص:
يصعب الجزم سريريا بأن ألم الرأس هو صداع نصفي دون اختبارات معمقة للجهاز العصبي، لكن و بحكم غياب الأدوات التشخيصية أو الكلفة التشخيصية المرتفعة لعديد الأسباب العصبية فالممارس الطبي و المريض يميلان عادة إلى تبسيط الأمور و الاعتماد ربما على وسائل مطمئنة قبل الخوض في الاختبارات.
لدى الشخص الذي اعتاد آلام الصداع النصفي فتشخيص الصداع النصفي هو أول الفرضيات التشخيصية.
يجب الانتباه أن الصداع النصفي لا يمس دائما نصفا معينا من الرأس و لا يمتلك دائما الطبيعة النابضة.
يمكن الاعتماد على معايير معينة و معلومات يجمعها الممارس الطبي من المريض لرؤية ضرورة عمل اختبارات إضافية، على سبيل المثال:
- آلام رأس شديدة بعد عمر الخمسين
- تغير واضح في طبيعة الصداع النصفي لدى الأشخاص الذين سبق و شهدوا نوبات صداع نصفي
- علامات تموضع عصبية، للتبسيط يمكن ذكر مثال: إحساس بخدر في اصبع ما، شلل منطقة من الجسم، عمى أحادي الجهة
- صداع سريع النشأة أو متواصل على مدة أسبوع و أكثر
- متلازمة التهاب السحايا (أعراضه القيء المصاحب لآلام الرأس، مع علامات عصبية و حمى أحيانا)
- ماضي طبي يتضمن أمراض خبيثة معالجة أو غير معالجة
- ودمة العصب البصري (oedème papillaire)، و هو عرض يلاحظ في عديد الأمراض و يتم طلب رأي مختص طب العيون لتأكيد وجوده
النوبات المؤلمة و التي تجتمع فيها ميزات الصداع النصفي الملخصة في ما يلي، إلى جانب النتائج السلبية للاختبارات العصبية المعمقة، قد تكون كافية لوضع تشخيص الصداع النصفي:
- ألم أولي، مزمن و متكرر
- يتطور تدريجيا، و لا يتجاوز الأسبوع
- قد تصحبه أو لا هالة حسية
- وجود عامل محفز للظهور
- يمس جهة واحدة من الرأس في أغلب الحالات
- ألم نابض على العموم
- وجود ماضي طبي شخصي و عائلي للمرض
علاج الصداع النصفي:
تنطلق العلاجات من سبل وقائية، و تصل لحد علاجات نوبات الصداع النصفي الشديدة المقاومة لمسكنات الألم الخفيفة و مضادات الالتهاب غير الستيروويدية. وتشمل هذه الحلول:
- تجنب العوامل المحفزة: المنبهات و الاستعمال العشوائي للأدوية
- التأمل و اتباع أنماط حياتية هادئة أو مهدئة للنوبات (ممارسة اليوغا، التأمل اليقظ)
- استخدام الباراسيتامول و مضادات الالتهاب الغير ستروويدية (الأسبيرين، ايبوبروفين، ديكلوفيناك، نابروكسين الصوديوم)
- التريبتانات و الدي-هيدرو-ارغوثامين و مسكنات الألم من الجيل الجديد و التي مازالت قيد الدراسة
- مضادات الغثيان و القيء (دواء موتيليوم مثلا)
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (اميثريبتيلين)
- مثبطات مستقبلات بيتا ( بروبانولول) أو بعض الأدوية ذات الاستعمال الخاص بمرضى القلب كحاصرات قنوات الكالسيوم
- المسكنات الأفيونية كالكوديين و المورفين كحل أخير
التريبتانات تعمل كمواد كيميائية مشابهة لعمل السيروتونين أو هرمون السعادة، و الذي يعمل على عكس توسع الأوعية الملتهبة، حيث أن تضيق الأوعية يخفف الآلام النابضة الملاحظة في الصداع النصفي.
العلاجات السابقة الذكر قد تنفع فئة و قد لا تناسب أخرى، لهذا على المصاب أن يكون على علم بالجزيئة التي تساعده على تجاوز نوبات الصداع النصفي.