يُشكل التلوث الهوائي تهديدًا كبيرًا لصحة الانسان، خاصة في ظل التغيرات المناخية والمشاكل البيئية التي أدت الى ظهور العديد من الفيروسات والأمراض. يتسبب انتشار التلوث الهوائي الناتج عن حرق النفايات في الأماكن المفتوحة في زيادة خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة ومشاكل صحية أخرى على غرار أمراض القلب، السكتات الدماغية، وسرطان الرئة، إضافة الى أمراض الجهاز التنفسي المزمنة والحادة بما فيها الربو.
إن تلوث الهواء لا يرتكز في مكان واحد فقط، بل ينتشر مع سرعة الرياح، فيمكن لحرق النفايات ان تزيد من الاثار السلبية على البيئة والصحة العامة. لذلك، تسعى بعض الجهات لتوعية بأهمية الحفاظ على جودة الهواء وتبني سلوكيات بيئية صحية للحد من تلك الآثار الضارة.
يعيش سكان حي ״تبرانت״ بالأربعاء وهي مدينة تقع على بعد 27 كم جنوب شرق الجزائر العاصمة في ظروف صحية وبيئية صعبة، حيث تواجههم مشاكل جسيمة نتيجة لتلوث الهواء بسبب حرق النفايات في المفرغة القريبة من مساكنهم. يشكو السكان من انتشار روائح كريهة وسامة في الهواء، مما أثر سلبًا على صحتهم.
السيد “محمد حمزة”، أحد سكان المنطقة، الذين يواجهون مشاكل صحية خطيرة جراء هذا التلوث الذي ينبعث من المفرغة. في السنوات الأخيرة، تفاقمت حالته الصحية بشكل ملحوظ، خاصة وأنه يعاني من” الانسداد الرئوي المزمن”، مما جعله غير قادر على المشي وحتى الخروج الى الهواء الطلق، بسبب الدخان المنتشر والغازات الضارة التي تنبعث من المكان.
يمكنكم الاستماع الى قصته وتجربته الشخصية وكيف أثر التلوث الهوائي على حياته، من خلال هذا التسجيل الصوتي.
صوت من خلف الانسداد: قصة السيد محمد
يعاني سكان مدينة الأربعاء بالقرب من مفرغة حرق النفايات من مشاكل صحية عديدة بسبب آثار الحرق النفايات الضارة. بما في ذلك، مرض الانسداد الرئوي المزمن، الربو والسعال، والتهاب القصبات الهوائية وغيرها. وعند مقابلة سكان الأربعاء، توضح ان هناك علاقة زمنية بين أمراضهم وحرق النفايات، فأصيب معظمهم بالأمراض بعد البدء بعمليات الحرق، أما البعض الاخر فقد تفاقمت حالتهم المرضية.
ويمكن لهذه الأمراض ان تكون ناتجة عن عوامل أخرى، فان نسبة تلوث الهواء الناتجة عن حرق النفايات في الأماكن المفتوحة، والتعرض لتلك الغازات، وانتشار ببعض الامراض التنفسية، تدل على وجود علاقة سببية بين تلوث الهواء من حرق النفايات وسوء الأوضاع الصحية في المجتمع المحلي.
في السياق نفسه، أوضح ˝البروفيسور مرزاق غرناوط ˝، رئيس مصلحة الأمراض الصدرية والتنفسية بالمستشفى الجامعي بني مسوس، أن الأمراض الناجمة عن الحساسية التنفسية تَحتل المرتبة الرابعة بالنسبة للأمراض الأكثر انتشارا في العالم، وأصبحت تمثل عبئًا ثقيلاً في الجزائر، وخص بالذكر الربو والمشاكل التنفسية والتهاب الأنف كونهم الأكثر انتشارًا، معربًا عن استيائه من وجود عدة عوامل تؤدي لتفاقم حالة المريض، لا سيما التلوث البيئي الناتج عن انبعاث الغازات السامة من حرق النفايات وسائل النقل والمصانع وغيرها. لذلك، أصبح هذا المشكل مصدر قلق واهتمام للعديد من الخبراء في مجال الطب.
وفي حديثه، أشار غرناوط الى خطورة المسببات التي تؤثر على صحة الجهاز التنفسي والتي يمكن أن تؤدي الى الإصابة بقصور التنفس في القصبات الهوائية، وتزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الصدر.
أسباب أخرى لظهور الأمراض التنفسية
بالإضافة الى المسببات التي ذكرها الاخصائي، هناك عدة عوامل أخرى يمكن أن تسهم في ظهور الأمراض التنفسية، بما في ذلك:
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية لسنة 2019 أن تلوث الهواء يتسبب في وقوع نحو 4,2 ملايين وفاة مبكرة سنوياً في العالم. وهذا بسبب التعرض للمواد الجسيمية الصغيرة التي تؤدي الى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والأمراض القلبية والسكتة الدماغية وأنواع السرطان، وبلغت نسبة 23℅ من هذه الوفيات بسبب الإصابة بداء انسداد الرئوي المزمن وعدوى الجهاز التنفسي السفلي الحاد، و11℅ سرطان الجهاز التنفسي.
التقينا بالبروفيسور ״ سفيان حلاسة ״، أستاذ في الأمراض الصدرية، في المؤتمر” الـ 5 لارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي والأمراض النادرة”، حدثنا عن العلاقة بين السموم البيئية وتأثيرها على مرضى الجهاز التنفسي خاصة في حالة الانسداد الرئوي المزمن، قائلا ” يجب فهم العلاقة بين السموم البيئية والصحة بشكل أفضل لان الملوثات المختلفة تتعبركعامل خطر حاسم، فهي المسؤولة عن الاضطرابات المزمنة والحادة التي تساهم في تفاقم المرض”. “أي حرق للمخلفات ينتج عنه غاز أول وثاني أوكسيد الكربون بنسبة كبيرة وهذا يؤدي الى تدمير الرئة “.
ويتابع قائلا ” الانسداد الرئوي المزمن هو تعريف عام لمجموعة من الامراض التي تصيب انسداد في الشعب الهوائية، ويزيد الانسداد نتيجة حصول التهاب في جدار الشعب الهوائية وأنسجة الرئة، فان الأشخاص المصابين به معرضون لخطر صحي عند التعرض للتلوث بالجسيمات مقارنة الأصحاء”.
غازات سامة وراء انتشار الأمراض التنفسية
أفاد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) في سبتمبر 2021، أن هناك ست ملوثات تؤثر سلبا على جودة الهواء وتسبب أضرار بالصحة. ومن بين هذه الملوثات التقليدية – الجسيمات (PM) والأوزون (O₃) وثاني أكسيد النيتروجين (NO2) وثاني أكسيد الكبريت (SO2) وأول أكسيد الكربون (CO)، وقد أظهرت الإجراءات المتخذة بشأن هذه الملوثات التقليدية أنها تقلل أيضا من انتشار الملوثات الأخرى ذات الضرر على الصحة.
في دراسة علمية اعدتها “وكالة حماية البيئة الأمريكيةEPA ” تبين أن هناك صلة بين التعرض لمستويات مرتفعة من ملوثات الهواء وزيادة حالات أمراض الجهاز التنفسي، فهذه الجسيمات المترسبة في الجهاز التنفسي يمكن أن تثير استجابة التهابية قوية، وتؤدي لتلف الخلايا، وتفاقم حالة بعض الامراض بما في ذلك مرضى الانسداد الرئوي المزمن والربو.
ويمكن لتلوث الجسيمات أن يؤثر على الأشخاص المصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن، فان التعرض المستمر والمتكرر لهذه الجسيمات الملوثة ان تضعف وظائف الرئة وتسرع في تطور مرض الانسداد الرئوي، وبتالي تظهر اضطرابات سريرية تشمل انتفاخ الرئة وتوسع القصبات والتهاب الشعب الهوائية، فان الأشخاص المصابين بهذا المرض معرضون لخطر صحي أكبر عند تعرضهم للتلوث بالجسيمات مقارنة بالأشخاص الأصحاء.
كشف البروفيسور أحمد قاضي، رئيس مصلحة أمراض الرئة والحساسية، بمستشفى بني مسوس، خلال لقاء علمي تكويني مع الصحفيين المتخصصين في المجال الصحي، أن الجزائر تعرف ارتفاع حالات الأمراض التنفسية خاصة بالنسبة لسكان الأحياء والذين يسكنون أمام أماكن التي تعاني من مشكلة التلوث الهوائي. وأضاف ذات المختص ” انه يمكن أن يؤدي التعرض للملوثات المنبعثة من حرق النفايات الى ظهور عدة أعراض على غرار التهاب في الأنف والعين والحنجرة، والصعوبة في التنفس ويزيد من نوبات الربو والتهاب الشعب الهوائية المزمنة والحادة، كما يحمل هذا الدخان عدة مواد مسرطنة تضر بالجهاز المناعي والهرموني والجسيمات”.
رغم كل الجهود والتدابير التي اتخذتها الجزائر لوضع خطط واستراتيجيات لتسيير النفايات والتخلص منها بطرق حديثة وصحية، إلا أن بعض الممارسات غير القانونية لا تزال تُمارس في بعض البلديات، مما يشكل خطرًا جسيمًا على صحة السكان والبيئة.
تعرض سكان حي تبرانت في السنوات الماضية لحالة طوارئ قصوى، سجلت عدة اختناقات واغماءات بالجملة بسبب عملية الحرق بمفرغة، وامتدت لعدة أحياء مجاورة، وطالب السكان بإيجاد حلول فورية تخلصهم من معاناتهم من هذه المفرغة وعمليات الحرق المتكررة. بالعودة لما نراه اليوم فان مشكلة حرق النفايات في الهواء الطلق أمام سكان الاربعاء لاتزال مستمرة وتمارس بطرق عشوائية دون رقابة!
ان هذه الممارسات الخطيرة يمكن أن تعرض صحة السكان الى آثار عديدة، فمخاطر الانبعاثات من المحارق في الهواء الطلق يمكن ان ُتنتِج جزيئات دقيقة، المركبات العضوية المتطايرة، الديوكسين، ثنائي الفينيل متعدد الكلور، الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات وكلها ترتبط بالإصابة بأمراض خطيرة كسرطان وأمراض القلب، وأمراض الجلد وغيرها.
التعاون بين القطاعات
دعت السيدة بدر الدين سعيدة، مسؤولة المديرية العامة للوقاية وترقية الصحة بوزارة الصحة على أهمية التعاون بين مختلف القطاعات لحماية صحة المواطن.
وقالت المسؤولة بوزارة الصحة ” نحن نشجع بشدة على التعاون بين مختلف القطاعات، بما في ذلك وزارة البيئة والداخلية والفلاحة للحفاظ على صحة المواطن وضمان عدم وجود نقائص تؤدي الى تدهور في الأوضاع الصحية والتكفل العلاجي الناتج عنها”، خاصة ما نشهده في السنوات الأخيرة أصبح القطاع الصحي هو من أكثر القطاعات الذي يحمل كل تلك المسؤوليات، وراء هذه الممارسات والاخفاقات إضافة الى كلفتها على صحة المواطن والبيئة، فهي تكلف القطاع ميزانية كبيرة أيضا، لان زيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو وأمراض الشرايين، تجعل الحكومات والأفراد يتكبدون نفقات إضافية لعلاج هذه الحالات.
وفي سياق حديثها أشارت الى أن الوقاية من الأمراض لا تخص قطاع الصحة فقط، بل هي مسؤولية جميع القطاعات الأخرى.
وأوضحت السيدة بدر الدين أن القضاء على النفايات بطرق خطيرة وغير صحية مثل الحرق، له تأثير سلبي على صحة المواطن والبيئة، مما يسبب في ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض التنفسية وينتج عنه مشاكل عديدة.
وأضافت “على المسؤولين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة لتوعية المجتمع وتعليمهم كيفية الحفاظ على بيئتهم، ويجب أن نبدأ هذه الثقافة منذ الصغر من خلال التربية البيئية في المدارس والأنشطة الثقافية والصحية، وصولا الى عمال البلديات المسؤولين على النفايات” ” يجب أن يدرك الجميع أن البيئة تؤثر على كل جوانب حياتنا، بدءا من الهواء والماء الى الغذاء الذي نتناوله، لهذا يجب أن نحرص على حمايتها والعمل على تحسينها”.
وقالت ذات مسؤولة “نملك عدة دراسات حول تلوث الهواء في بعض المناطق الجزائرية، حيث قمنا بمعهد الصحة الوطني في وهران، العمل بالتعاون مع الجهات المختصة، بما في ذلك الشركاء البلجيكيين، بوضع “أجهزة استقبال” لدراسة تلوث الهواء في ثلاث ولايات ” الجزائر العاصمة، عنابة، وهران” لتحسين الأوضاع البيئية والصحية، كما نعمل على تكوين متخصصين في هذا المجال وسنستمر في استخدام النتائج والتوصيات من هذه الدراسة لتطوير سياسات صحية وبيئية فعالة”.
״نحن جميعًا مسؤولون عما يحدث في بيئتنا ومحيطنا، ويجب على كل فرد إتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على بيئة صحية، لأننا ملزمون أمام الأجيال القادمة بتوفير بيئة صحية مستدامة״
تأثير الانبعاثات الرئيسية على جودة الهواء
في هذا الإطار يشرح مختص في التهيئة القطرية والتكيف مع التغيرات المناخية وحماية البيئة، أستاذ بجامعة خميس مليانة بالجزائر، “عزالدين مداني” أن عملية احرق النفايات التي تتم على مستوى الاحياء السكنية لها تأثيرات خطيرة وانعكاس مباشر على البيئة، فان الانبعاثات الرئيسية تشير الى الغازات والجسيمات الصغيرة التي يتم إطلاقها في الهواء، تلعب هذه الانبعاثات دورًا رئيسيًا في تأثير على جودة الهواء، وتسبب مشكلات بيئية. وتعتبر الجسيمات العالقة في الهواء (PM) مثل الجسيمات الدقيقة (PM2.5) و (PM10) مضرة جدا فهي تؤثر كذلك الهيدروكربونات الطيارة والأكسيدات النيتروجينية على التربة و الهواء، إضافة إلى أنها تساهم في تكوين الضباب السام و غيرها من التأثيرات.
ومن جهة أخرى يمكن أن تؤثر الانبعاثات الغازية مثل غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) على تغيرات المناخ وتسبب زيادة في درجات الحرارة. وتأثر الانبعاثات السامة على النباتات والحياة البرية، باعتبار أن التأثير يمس كذلك جودة المياه بسبب تسرب مركبات كيميائية إلى المياه، مما يؤثر على جودة المياه والكائنات البحرية.
وعن نوعية النفايات المحروقة يقول الأستاذ عز الدين ان يمكن أن يؤدي حرق البلاستيك المحتوي على مواد مثبطة للهب إلى إطلاق مركبات كيميائية خطرة وجسيمات عالية السمية، مما يؤثر على جودة الهواء. وقد تحتوي الأخشاب المعاملة بالمواد الكيميائية على مركبات خطرة عند حرقها. كما يؤدي حرق الزيوت والدهون إلى إطلاق غازات وجسيمات ضارة، والتي يمكن أن تكون خطرة للصحة، والأجهزة الإلكترونية والكهربائية تحتوي على مواد خطرة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم، ويمكن أن يؤدي حرقها إلى إطلاق هذه المواد السامة.
ترى البروفيسور “معامرية عائشة باية”، خبيرة في المجال البيئي أن الحرق لا يؤدي ” لاختفاء النفايات”، بل يحولها الى رماد القاع، الرماد والريفيوم ( بقايا تنقية الابخرة الناتجة عن حرق النفايات المنزلية)، كما ينتج عنه انبعاثات سامة، وتشمل الجسيمات (PM)، وأول أكسيد الكربون (CO)، والغازات الحمضية (مثل أكاسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وحمض الهيدروكلوريك) والجسيمات الحمضية، وبعض المعادن (الكادميوم والرصاص والزئبق والكروم والزرنيخ والبريليوم)، والديوكسينات. والفيورانات، وثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)، والهيدروكربونات العطرية المتعددة (PAHs).
- واعتبرت معامرية أن تلوث الهواء يشكل تهديدًا لنا جميعًا ولا يمكننا أن نقبل أن تستمر هذه الممارسات وسط السكان والتعرض لاستنشاق لتلك الانبعاثات السامة. فإذا لم نتحرك بسرعة كبيرة، فإن التنمية المستدامة في الجزائر ستظل مجرد حلم بعيد المنال لهذا، وجب علينا العمل معا لإيجاد حلول لاستخدام وإنتاج الطاقة المتجددة بشكل أكثر كفاءة، والتركيز على إدارة النفايات بطريقة صحية.
وفيما يتعلق بطرق التخلص من النفايات يقول الأستاذ مداني ان اللجوء الى طريقة ردم النفايات يجب النظر فيها كخيار أخير بعد استكشاف البدائل الأكثر استدامة وبيئية، واعتبر أن التأثيرات المتعلقة “بردم النفايات” عديدة نذكر منها تلوث التربة والمياه الذي يحدث عن تسرب المواد الكيميائية الضارة إلى التربة والمياه الجوفية، مما يؤدي إلى تلوث بيئي. إضافة الى إنتاج الغازات الدفيئة التي تحدث عن عمليات التحلل البيولوجي في النفايات عند الردم، مما يؤدي إلى إنتاج غاز الميثان، وهي غازات يمكن أن تسهم في تغير المناخ. إضافة الى الرائحة والتلوث الهوائي، مما يؤثر على جودة الهواء والصحة.
وعن تأثير تلوث الهواء على الجانب الاقتصادي يرى الخبير مداني أنه يمس عدة جوانب ويظهر التأثير كذلك على القطاعات الزراعية لأن تلوث الهواء يمكن أن يؤثر على النباتات والمحاصيل، مما يتسبب في خسائر في الإنتاج الزراعي. وهذا يؤدي إلى تراجع في مدى الأغذية المتاحة وزيادة في أسعارها.
كما يؤدي تلوث الهواء الى فقدان الإنتاجية في عدة قطاعات، يمكن أن يكون له تأثير سلبي على صحة العمال وقدرتهم على الأداء، مما يؤدي إلى زيادة في غياب العمل وتقليل الإنتاجية العامة. كما نجد كذلك تأثير على السياحة حيث أن تلوث الهواء يؤثر على الصناعات التي تعتمد على الجذب السياحي، حيث قد يكون الجو الملوث عاملًا يثني السياح عن زيارة المناطق المتأثرة.
يطرح الخبير مداني خطة لمواجهة مشكلة حرق النفايات ويمكن توزيعها وفق النقاط التالية:
- الاعتماد على البدائل الأكثر استدامة عن طريق إعادة التدوير والفرز لأن تشجيع إعادة التدوير يقلل من حجم النفايات المتجهة إلى المكدسات ويقلل من الاستهلاك الأولي للموارد.
- يمكن استعمال التحلل العضوي وإنتاج الطاقة من النفايات العضوية، مثل إنتاج الغاز الحيوي.
- استخدام التكنولوجيا النظيفة للتخلص من النفايات بطرق صديقة للبيئة، مثل التحلل الحيوي الذي يتم استخدام البكتيريا والفطريات لتحويل النفايات العضوية إلى مواد عضوية وسماد.
- إنجاز دراسات التأثير على البيئة ودراسات الخطر ذات جودة عالية لكل مشاريع لها تأثير وهذا للتقليل من المخاطر على البيئة والإنسان عبر اقترح إجراءات في بعض حالات تتطلب أغلفة مالية كبيرة.
التجارب الرائدة في تسيير النفايات
ولتحقيق ذلك يجب طرح بعض الأمثلة من العالم والمجتمعات أخرى وجدت حلول لمشكلة النفايات، فعدة دول تعمل على تطوير التعامل مع النفايات لتقليل التأثير على البيئة وصحة والانسان، وذكر الأستاذ مداني بعض البلدان قائلا ” ان سنغافورة تعد نموذجًا للمدينة التي تتعامل بفعالية مع التحديات المتعلقة بالنفايات، حيث تعتمد على التحلل الحيوي وتكنولوجيا إعادة التدوير لتحويل النفايات إلى طاقة، أما السويد فهي جد متطورة في إدارة النفايات بطرق مستدامة وهي بحرق النفايات لإنتاج الطاقة وتحول الرماد إلى مواد بناء. كما أنها تستهدف تحقيق “صفر نفايات”، وعن اليابان فهي تعتمد من جهتها على تكنولوجيا، بما في ذلك التحليل الحراري وإعادة التدوير ولديها مبادرات ناجحة لفصل النفايات وتحفيز المواطنين على فرز النفايات، أما كوريا الجنوبية فاعتمدت نظامًا شاملًا لإدارة النفايات يركز على التحليل الحيوي وإعادة التدوير وتستخدم أحدث التقنيات لتحويل النفايات إلى طاقة”.
من جهة أخرى تتبنى ألمانيا نهجًا شاملًا لإدارة النفايات يركز أساسا على طريقة الفرز الدقيق وإعادة التدوير، وحرق النفايات البلاستيكية بطريقة صحيحة وسليمة لإنتاج الطاقة وإعادة تدويرها بنسبة عالية. وتعتمد نيوزيلندا على استراتيجيات مستدامة بما في ذلك تحليل النفايات العضوية لإنتاج السماد واستخدام التكنولوجيا الحديثة للتخلص من النفايات الصلبة. أما سويسرا فتسعى إلى تحقيق صفر نفايات حيث تستثمر في تقنيات التحلل الحيوي والتحليل الحراري. نفس الإجراءات في كندا وبالخصوص في مونتريال التي اتخذت خطوات نحو تحقيق هدف صفر النفايات بحلول عام 2030، حيث يتم تشجيع المواطنين على إعادة التدوير والفرز، وتم تطوير تقنيات لتحليل النفايات.
الآليات القانونية لتسيير النفايات
وضعت وزارة البيئة المسؤولة عن المراقبة البيئية خطة وطنية لإدارة تسيير النفايات في كافة ولايات الوطن، ولكن يبدو القوانين المنظمة لعملية التخلص من النفايات لا تطبق و أن الخرجات الميدانية للجنة الولائية للمراقبة والدعم لم تلتفت الى بعض الولايات في الجزائر، الافراط في المكبات المكشوفة والحرق في الهواء الطلق أمام السكان يعد من الممارسات غير سليمة مما تسبب خطورة على صحة السكان والبيئة.
تنص المادة 32 من القانون رقم 19_01 المؤرخ في 12_12_2001 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها، وهو أول إطار قانوني ينظم تسيير النفايات على ان ترافق العملية جملة من المبادئ من بينها مبدأ ” الوقاية والتقليص من إنتاج وضرر النفايات من المصدر”، إضافة الى “المعالجة البيئية العقلانية التي تتم وفق لشروط مطابقة لمعايير البيئة لاسيما عدم تعريض صحة الانسان والبيئة للخطر أو تشكيل أخطار على عناصر البيئة أو احداث ازعاج بالروائح الكريهة أو المساس بالمناظر والمواقع”.
دعا الخبراء والاستاذة في البيئة الى ضرورة فرض تشريعات لاحترام البيئة لمعالجة الاختلالات المسجلة في عملية جمع وردم النفايات، وتكون تشريعات أكثر صرامة.
كل هذه الجهود الذي وضعتها الجزائر في مختلف الاجنحة من أجل ضبط نظام إدارة وتسيير النفايات من خلال آليات قانونية ومؤسساتية فيمكن القول إن المشرع الجزائري قلل من الفجوات القانونية الى حد كبير في مجال النفايات وأصدر أيضا المرسوم84 – 378 المتعلق بالنفايات الحضرية والقانون رقم 83 – 03 الذي حل محلها القانون رقم 01 – 19 الذي تم ذكره سابقا.
وفي دراسة أعدتها الوكالة الوطنية للنفايات توضح التقييم الكمي للنفايات في الجزائر بين سنة 2019 و2021، وحسب البيانات فان كمية النفايات بلغت سنة 2021 نحو 11.1 مليون طن، يعني بمعدل 0.68 كغ للفرد يوميا بالنسبة 46.5℅، بينما سجلت سنة 2019 نحو 12.6 مليون طن أي بمعدل 0.8 كغ بالنسبة 53.5℅.
التقييم الكمي للنفايات في الجزائر بين 2019_ 2021
ورغم النتائج المحققة في انخفاض كمية النفايات إلا أن تبقى الجزائر بعيدة عن المقاييس الدولية فيما يتعلق باسترجاع النفايات وتصنيفها وضبط الرقابة، واستنادا الى تقديرات الوكالة الوطنية للنفايات فان كمية النفايات المنزلية تمثل 75 ⁒ من إجمالي النفايات، من جانب آخر تقدر حصة الجزائر كمعدل يومي 1.2 كغ في المدن الكبيرة ومن بين 0.5 و0.8 كغ في المدن المتوسطة والصغيرة وهو بالتالي من بين أعلى المستويات لمنطقة شمال إفريقيا التي تقدر معدلات إنتاج النفايات المنزلية فيها ما بين 170 كغ و190 كغ سنويا.
جمعية الورود لحماية البيئة
عبرت رئيسة جمعية الورود للحماية البيئية السيدة “ياسمين بلعقون” عن استيائها لمثل هذه الممارسات والمتمثلة في تفاقم مشكلة حرق النفايات، مؤكده بأن جمعيتها رصدت مثل هذه التصرفات، وبالرغم من الخرجات التوعوية والتحسيسية طيلة السنوات الماضية، الا ان هذه التجاوزات لا تزال تسجل في كل مرة، ودعت في سياق حديثها الى ضرورة تكثيف الرقابة والعمل مع مختلف الهيئات المحلية للحد من هذه التصرفات التي تأثر سلبا على صحة المواطن والبيئة، كما تشجع على تنظيم وتسيير النفايات عن طريق وضع مفرغات منظمة بمعايير مناسبة لإعادة الردم بعيدة عن السكان والمساحات الخضراء الصالحة للزراعة.
وأضافت ان الحرق العشوائي لهذه النفايات يؤثر على الغلاف الجوي وهذا عن طريق الغازات المنتشرة التي تسبب في كوارث صحية وبيئية.
الجمعية الوطنية للمتطوعين الجزائريين Dzayer bénévole
التقينا بالسيد “كريم بن عامر”، رئيس الجمعية الوطنية للمتطوعين الجزائريين، خلال مشاركتنا في صالون النظافة والتطهير الدولي الذي تم تنظيمه تحت وصاية وزارة البيئة والطاقات المتجددة. وخلال اللقاء، ناقش بن عامر التطورات الأخيرة في قطاع النفايات في الجزائر، وقدم بعض التوصيات لتحسين هذا القطاع.
أكد بن عامر على أن الجزائر قد أولت أهمية كبيرة لقطاع النفايات من خلال دعم الاستثمارات وفتح المجال أمام المؤسسات الناشئة التي تهتم بقضايا استرجاع وتدوير النفايات، مستندة إلى دراسات وأبحاث علمية.
وأشار إلى زيادة نشاط جمع النفايات من قبل الشباب المهتم، وتأسيس مؤسسات متخصصة في إعادة التدوير ومعالجة النفايات المنزلية وخصوصًا البلاستيك. وأشار إلى الاقبال المتزايد على جمع البلاستيك والألمنيوم والزجاج والإطارات المطاطية وغيرها، مقارنة بالأشخاص الذين يقومون بحرق النفايات دون استفادة منها.
وفيما يتعلق بثقافة البيئة، أثار كريم السؤال حول الفرق بين الشخص الذي يقوم بجمع النفايات لإعادة تدويرها وبين الذي يقوم بحرقها دون وعي. أكد على ضرورة محاربة هذه الظواهر الخطيرة على البيئة والإنسان، وأهمية العمل على تقليل مخاطر التغيرات المناخية والتكيف معها، وخفض الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.
وختم كريم بالتأكيد على أن الجمعيات والمبادرات الشبابية تُعتبر ركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تطوير الاقتصاد النفايات والحد من انتشارها في الجزائر، ودعا الى ضرورة تكثيف الجهود بين جميع القطاعات لربح معركة النفايات وبلوغ الاقتصاد الأخضر.
حرق النفايات يُعتبر مصدرا هاما للمواد الملوثة، ويساهم في تغير المناخ بسبب زيادة انبعاثاته التي تؤثر على التوازن البيئي.
حتى الأشخاص الذين يدركون الأثار السلبية لحرق النفايات قد يلجؤون اليه كخيار بسبب العادات السائدة او عدم توفر بدائل مناسبة لهذا يجب رفع مستوى الوعي حول الآثار الصحية الخطيرة لهذه الممارسات، وتعزيز قدرات الجهات المحلية في جمع النفايات.