تمثل أمراض الحساسية مشكلة صحية عامة وهي أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا. و يتأثر الأطفال بشكل خاص حسب الإحصائيات العالمية، فبعد الحساسية التنفسية التي زادت بشكل كبير في العقود الأخيرة، ظهرت حساسية الطعام عند الأطفال كمشكلة تشغل بال الآباء. و تشير دراسة جزائرية في 2009 بأن 5% من الأطفال يعانون من حساسية الطعام. الغرض من هذه المقالة هو تسليط الضوء على خصوصيات حساسية الأطفال الغذائية، والإجابة على أكبر عدد ممكن من الأسئلة الشائعة حول ذلك.
ماهي حساسية الطعام؟
حساسية الطعام هي رد فعل مبالغ فيه من طرف جهاز المناعة عند تناول البروتينات في طعام معين. تتعامل المناعة مع هذه البروتينات كأعداء للجسم و تقوم بمحاربتها، مما يؤدي إلى ظهور رد الفعل التحسسي و الأعراض الغير مرغوب فيها.
ماهي الأطعمة التي تسبب الحساسية عند الأطفال؟
لا يمكن حصر الأكلات المسببة للحساسية عند الأطفال و الرضع في قائمة قصيرة، لأن أعراض الحساسية للطعام يمكن أن تظهر عند تناول أي طعام يحتوي على البروتين. لكن أكثر الأطعمة المسببة شيوعًا هي:
- الفول السوداني
- المسكرات (الجوز، اللوز، الفستق)
- المأكولات البحرية (الأسماك و الرخويات)
- البيض
- حليب البقر
- الصويا
- الكبريتات (الطبيعية في الأغذية أو المستعملة كمواد حافظة) مثل الحمص، العدس، الجلبانة، الفول، الثوم، البروكلو، الدجاج، المحار
- الخردل
كيف أعرف بأن طفلي لديه حساسية من طعام معين؟
يمكن أن تبدأ أعراض الحساسية مباشرة بعد ملامسة أو تذوق مسبب الحساسية (في أقل من نصف ساعة)، كما يمكن أن تظهر متأخرة (حتى بعد ثلاثة أيام). يختلف وقت ظهور أعراض حساسية الطعام عند الأطفال من طفل لآخر، كما يعتمد ذلك على شدتها.
للتأكد من وجود حساسية للطعام عند الأطفال من الضروري إجراء تشخيص طبي يساعد في استبعاد المشكلات الصحية الأخرى التي تظهر غالبًا بأعراض مشابهة مثل عدم تحمل الطعام (intolérance alimentaire) والذي يتعلق بالأيض (métabolisme) وليس المناعة.
أعراض حساسية الطعام عند الأطفال والرضع:
أعراض حساسية الطعام عند الأطفال كثيرة و متغيرة، و قد تظهر على أكثر من عضو. أهمها:
- الجلد (60 إلى 70% من الحالات): ظهور حكة، احمرار، طفح جلدي أو تورم
- الجهاز الهضمي (50 إلى 60%): غثيان و قيء، ألم و تقلصات المعدة، إسهال أو إمساك
- الجهاز التنفسي (20 إلى 30%): ضيق أو صعوبة في التنفس، اختناق، صفير تنفسي أو سعال
- الأنف: سيلان، احتقان، حكة، عطس
- العيون: حكة، دموع، احمرار أو تورم
- أعراض عامة: دوخة، فقدان الوعي، شحوب، نبض ضعيف، خفقان القلب، بكاء، تغير في الصوت
شدة الأعراض قد تختلف من طفل لآخر، وكميات قليلة من الطعام المؤدي للتحسس قد يحدث رد تفاعل تحسسي كبير و العكس صحيح.
حساسية الطعام قد تؤدي إلى رد فعل خطير يصل إلى الصدمة التحسسية في 5 إلى 10% من الحالات. و انخفاض ضغط الدم يعني أن حياة الطفل في خطر و يجب الإسراع إلى أقرب جناح استعجالات طبية.
كيف أفرق بين حساسية الطعام وعدم تحمل الطعام؟
عدم تحمل الطعام (intolérance alimentaire) لا تحفز جهاز المناعة مثل حساسية الطعام (allergie alimentaire). و يتعلق بالسكريات الغذائية وليس البروتينات، مثل اللاكتوز الموجود في الحليب.
يحدث عدم تحمل الطعام نتيجة نقص إنزيم هضمي أو تسمم غذائي، و يتسبب في ظهور الأعراض التالية:
- انتفاخ البطن و تراكم الغازات
- ألم البطن
- القيء
- الإسهال أو الإمساك
كيف أقدم نوعا جديدا من الطعام لطفلي دون خطر الإصابة بحساسية الطعام؟
لإدخال طعام جديد في النظام الغذائي للطفل الرضيع، يجب إعطاؤه كميات صغيرة في البداية. يمكن بعد ذلك زيادة الكميات تدريجياً إذا لم تظهر أي أعراض تحسسية.
ينبغي أيضا انتظار ثلاثة أيام قبل إدخال طعام جديد في القائمة. بهذه الطريقة، ستعرفين إذا كان يعاني من حساسية اتجاه طعام معين، و تغيير نظامه الغذائي وفقًا لذلك.
لقد أثبتت بعض الدراسات أن الرضاعة الطبيعية الحصرية حتى سن الأربع أشهر تقلل من خطر الإصابة بالحساسية الغذائية. ينصح بعدم إدخال أطعمة تكميلية قبل هذا السن.
ماهي النصائح للتقليل من مخاطر الحساسية الغذائية وماهي المعتقدات الخاطئة؟
من المنطقي أن نتساءل، بصفتك أحد الوالدين، عن أفضل طريقة لتجنب حساسية الطعام عند طفلك:
- الرضاعة الطبيعية: يوفر حليب الأم جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الرضيع للنمو بصحة جيدة، وأظهرت الدراسات الحديثة أن الرضاعة الطبيعية الحصرية لمدة 4 إلى 6 أشهر لها تأثير وقائي على تطور حساسية الطعام
- استمرار الرضاعة الطبيعية في بداية التنويع الغذائي (بعد 6 أشهر من العمر) يجعل من السهل تحمل الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين
- في حالة استحالة الرضاعة الطبيعية، يجب اختيار حليب أطفال اصطناعي مضاد للحساسية (ملاحظة: الحليب المضاد للحساسية لا يساعد على تجنب الأمراض التحسسية مثل الربو أو التهاب الأنف التحسسي)
- استعمال البروبيوتيك: تلعب دورًا مفيدًا في توازن الجراثيم المعوية وفي الوقاية من الحساسية بفضل الكائنات الحية الدقيقة المستخدمة فيها
- التنويع الغذائي بين 4 و 6 أشهر من العمر لجميع الأطعمة حتى الأسماك، الفول السوداني والمكسرات حتى ولو كان والدي الطفل يعانيان من حساسية لها
- تقديم الطعام للطفل بالكميات الكافية و دون إرغامه، لأن الطفل إذا رفض الطعام فقد يؤدي ذلك إلى التقيؤ دون أن يكون مصابًا بالحساسية (يمكن تقديم الطعام على عدة وجبات في اليوم لتجنب الرفض)
هناك اعتقاد شائع و خاطئ بأن اتباع نظام غذائي خاص أثناء الحمل يحد من خطر الإصابة بالحساسية. لا فائدة من التخلص من بعض الأطعمة المسببة للحساسية مثل الحليب، البيض والفول السوداني من النظام الغذائي للمرأة الحامل، و قد يؤدي ذلك إلى نقص الفيتامينات والمعادن.
أكثر من ذلك، أظهرت دراسة سويدية أن تناول الأسماك الدهنية أثناء الحمل يساعد على منع تطور الحساسية عند الأطفال بسبب الأحماض الدهنية الأساسية أوميغا 3 التي لها خصائص مضادة للالتهابات.
إذا كان طفلي يعاني من حساسية الفول السوداني، فهل يجب عليه تجنب جميع البقوليات؟
الفول السوداني ينتمي إلى فصيلة البقوليات. و حساسية الفول السوداني عند الطفل أو أي شخص آخر لا تعني أنه يجب أن يتفادى أكل جميع البقوليات الأخرى. لكن هناك بعض الحالات أين يعاني الطفل من حساسية الفول السوداني و معها بقوليات أخرى مثل الحمص.
إذا كان أحد الوالدين لديه حساسية لطعام معين فهل يمكن أن يكون الطفل أيضا حساسا لنفس الطعام؟
الحساسية بحد ذاتها قد تكون وراثية و احتمال الإصابة بالحساسية عند الطفل تزيد بـ 30% أو أكثر. لكن نوع الحساسية ليس متوارثا. مثلا، إذا كانت الأم حساسة للأسماك فهذا لا يعني بالضرورة أن الطفل سيصاب بنفس النوع من الحساسية، فقد يكون حساسا مثلا اتجاه البيض.
نفس الشيء إذا كان أحد الإخوة مصابا بحساسية معينة، فإن الطفل قد يصاب بنوع آخر من حساسية الطعام أو لا يعاني من أي منها.
أعاني من حساسية الطعام، هل يجب علي الإنتظار قبل إعطاء طفلي الأغذية التي يمكن أن يتحسس منها؟
يكون الطفل معرضا لخطر الحساسية إذا كان أحد الوالدين مصابا بها. لا يوجد دليل علمي يثبت بأن إدخال الأطعمة التكميلية مبكرا (بين 4 و 6 أشهر من العمر) في النظام الغذائي للطفل يساعد على تجاوز الخطر لأن جهاز المناعة يستغرق بعض الوقت ليتطور بعد الولادة.
إدخال الطعام في وقت متأخر لن يمنع حساسية الطعام عند الأطفال من التطور، و إذا كان الطفل حساسا لطعام معين فسيظهر عليه عند اكتمال تطور جهازه المناعي حتى ولو لم يعطى له مبكرا.
هل تختفي حساسية الطعام عند الأطفال بمرور الوقت؟
بعض أنواع الحساسية الغذائية التي تبدأ في سن مبكرة تزول مع مرور الوقت، لكن هذا غير مضمون.
بعض حساسيات الطعام قد تكون دائمة مثل حساسية الفول السوداني و الأسماك. و بعضها قد يختفي بعد سنة من العمر مثل حساسية حليب البقر التي تختفي في 80% من الحالات و البيض في 60%.
ماهي العوامل المساعدة على ظهور حساسية الطعام؟
هناك العديد من الفرضيات التي تفسر زيادة حالات الحساسية الغذائية، لكنها غير مؤكدة ولا توجد أدلة تثبتها سوى بعض الدراسات الإحصائية.
- نظرية النظافة: هي الفرضية الأكثر قبولا علميا، و تقول بأن تعرض الأطفال المبكر للبكتيريا والجراثيم يساهم في بناء جهاز مناعة أقوى ضد الاعتداءات الخارجية. فقد نشرت دراسة على مجلة Allergy تفيد بأن أطفال الطبقة الراقية أكثر تعرضا لحساسية الطعام بسبب التعقيمات المتكررة
- تلوث البيئة: يُعتقد أيضًا أن الدخان والغبار من العوامل المؤدية إلى الإصابة بالحساسية الغذائية
- تغيرات النظام الغذائي: من المحتمل أن تغير النظام الغذائي و طريقة التحضير و حتى تغيير التركيبة الطبيعية للمأكولات هي أسباب مساعدة على ظهور حساسية الطعام
في أي عمر يمكن أن يخضع الطفل لاختبارات الحساسية؟
يمكن إجراء اختبارات حساسية الجلد بعد الولادة مباشرة، بطلب من اختصاصي في الحساسية أو طبيب أطفال.
الإختبارات السلبية للأجسام المضادة لا تعني استبعاد احتمال وجود حساسية للطعام والعكس صحيح. مثلا، لأن الطفل لم يتعرض أبدًا لمسببات الحساسية، و لم يكن لدى جسده الوقت الكافي لإنتاج هذه الأجسام المضادة التي تسبب تفاعلات الحساسية و تظهر خلال الإختبار.