قبل الخوض في موضوع سرطان الدم، يجب وضع توضيحات مبدئية لمفهوم السرطان و الأنسجة و الخلية. فغالبا ما يتم تناول موضوع السرطان كمرض واحد يصيب كل الأنسجة بنفس الطريقة و يتم علاجه ربما بنفس الطريقة، و هو مالا يصح من وجهة نظر علمية.
تتكون أجسامنا من مجموعة خلايا معينة، أغلبها خلايا تقوم بوظيفة معينة. تمثل هذه الخلايا أحجار البناء الأساسية، يطلق عليها اسم الخلايا المتمايزة و المتخصصة، والتي تأتي بدورها من خلايا إنشائية تشكل أنسجة كالنخاع العظمي مثلا.
مثلا، تختلف خلايا الكبد شكلا و وظيفة عن الخلية العصبية أو خلية في الكلية أو الخصيتين.
مجموعة الخلايا من نفس المنشأ و التي تتشارك في وظيفة معينة نطلق عليها نسيجا. تختلف أنواع الأنسجة و تختلف حسبها أنواع الأورام أو السرطان.
السرطان فئة من الأمراض المختلفة التي تصيب شتى الأعضاء. تخرج بعض الخلايا عن السيطرة، فتصبح سريعة التجدد أو غير خاضعة لآلية الموت الخلوي المنظم (apoptose). قد تتجاوز هذه الخلايا حدود أعضائها لتغزو و تدمر أعضاء أخرى مجاورة أو بعيدة. كما يمكن للخلايا السرطانية أن تغير أداءها الوظيفي لتشغل وظيفة خلية أخرى في مكان غير مكانها الأصلي.
الدم يعتبر إحدى الأنسجة الضامة السائلة، حيث يلعب دورا هاما في توزيع المغذيات على الأنسجة المختلفة و نقل السموم و كذلك دورا محوريا في المناعة.
انطلاقا من هذه المقدمة يمكن الحديث عن سرطان الدم أو ابيضاض الدم (مرض اللوكيميا) الذي يتشكل انطلاقا من خلايا الأنسجة المكونة للدم (نخاع العظم، الجهاز اللمفاوي).
أسباب و عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الدم:
- التعرض للإشعاعات المؤينة (كالاشعاعات الناتجة عن الكوارث النووية أو الإشعاعات ضمن إطار العمل الطبي أو البحثي)
- العديد من المواد الكيماوية التي أثبتت الإحصائيات و التجارب مساهمتها في الإصابة بسرطان الدم اللوكيميا، مثل البنزين، بعض المبيدات الحشرية، الكربوهيدرات العطرية المتواجدة في دخان السجائر
- العدوى الفيروسية ذات الانجذاب اللمفاوي كفيروس ابنشتاين بار EBV. و تلاحظ في أماكن انتشار العدوى الفيروسية بكثرة
- الماضي الطبي المتضمن لأمراض دموية مختلفة
- أمراض و متلازمات مثل تناذر داون، متلازمة Bloom أو أنيميا fanconi
بالرغم من وجود احتمالية تطور الحالة المرضية لدى الأشخاص السابقي الذكر، إلا أن هذا لا يبعد أبدا احتمال تعرض شخص سليم للوكيميا، فالأمراض السرطانية مازالت قيد الدراسة من عديد النواحي.
أنواع سرطان الدم اللوكيميا:
تختلف آلية نشوء اللوكيميا حسب نوع العمود الخلوي المصاب (لمفاوي أو نخاعي). و كذلك حسب حدته أو طبيعته المزمنة، فالحاد يتميز بتزايد سريع في عدد الخلايا الدموية البيضاء الغير الناضجة عكس المزمن الذي قد يتضمن خلايا أقرب للنضج.
لزيادة الأمر إيضاحا، العمود أو الخط اللمفاوي يشكل أساس الجهاز اللمفاوي (خلايا لمفاوية تائية T أو بائية B)، أما النخاعي فيشكل أساس الكريات الحمراء و بعض الكريات الدموية البيضاء و الصفائح الدموية.
هناك أربع أنواع رئيسية من سرطان الدم تتمثل فيما يلي:
- اللمفاوي الحاد LAL
- النخاعي الحاد LAM
- اللمفاوي المزمن LLC
- النخاعي المزمن LMC
أعراض سرطان الدم (اللوكيميا):
تشترك الأنواع السالفة الذكر في تشابه الأعراض بشكل ما، فتشابه الوظيفة الرئيسية للخلايا المصابة تؤدي بالضرورة لتوقف أو تضرر الوظائف المسؤولة عنها.
النقص في عدد الخلايا الطبيعية المختلفة للدم أو تراكم الخلايا غير الناضجة في مجرى الدم أو نخاع العظام، قد ينجم عنه أعراض مثل:
- الوهن و التعب المزمن.
- شحوب الجلد.
- التعرض المتكرر لمختلف أنواع العدوى نتيجة نقص دفاعات الجسم.
- نزيف في مختلف أماكن الجسم أو كدمات و علامات على تضرر عملية التخثر، مثل: الرعاف، نزيف اللثة، تجمع الدم تحت الجلد، الدم في البراز.
- انخفاض القدرة الجسدية على أداء المهام المتطلبة لجهد معين.
- تزايد نبضات القلب.
- آلام في الصدر عند القيام بأنشطة متطلبة للجهد.
- الحمى.
- ازدياد حجم العقد اللمفاوية أو بعض الأعضاء مثل الكبد و الطحال.
- علامات متعلقة بانتشار الخلايا السرطانية في الجهاز العصبي أو الهيكل العظمي، مثل آلام الرأس، آلام المفاصل و العظام، اضطرابات الرؤية و السمع.
- الحوادث الوعائية المخية المؤقتة (جلطة دماغية مؤقتة تتمثل في غياب الارتواء النسيج الدماغي بالدم نتيجة تشكل جلطات مؤقتة).
- طفح جلدي متعلق بانتشار الخلايا السرطانية و غزوها لهذا العضو.
التشخيص المؤكد:
بالإضافة لأعراض سرطان الدم السابقة الذكر و التي تدفع المريض غالبا للمعاينة الطبية، فالقيام بالتحاليل الدورية للدم قد يلفت انتباه الطبيب المعاين و يجعل التشخيص يتوجه تدريجيا نحو إجراء تحاليل نوعية التي تؤكد الإصابة باللوكيميا.
الدراسة الميكروسكوبية لعينة من الدم:
و التي ستلقي الضوء على وجود خلايا غير طبيعية أو غير ناضجة تزيد من الحجج التشخيصية.
خزعة نخاع العظم:
التغير في التركيب الخلوي لنسيج نخاع العظم من أهم العناصر التشخيصية لسرطان الدم -اللوكيميا- و لمتابعتها كذلك.
ترقيم و تركيبة الدم FNS:
و هو أبسط التحاليل و المتوفرة غالبا في أغلب المراكز العلاجية، و يعتبر هذا التحليل بداية لعملية واسعة و موجهة من الإجراءات التشخيصية.
التحاليل الكيميائية للدم:
الاضطرابات في مكونات الدم الكيميائية قد تكون عنصر ملاحظ في حالات اللوكيميا، فكل من ارتفاع نسبة الكرياتينين و حمض البولة أو الإنزيمات الكبدية و الكالسيوم ممكن خلال سرطان الدم.
البيولوجيا الجزيئية و التحاليل المناعية أو الجينية:
قد يتم طلب تحاليل مماثلة لإعطاء تشخيص مفصل عن نوع السرطان الذي يتم تشخيصه، معطيا نظرة اكثر شمولا للإصابة.
علاج سرطان الدم – اللوكيميا- :
تتعدد العلاجات المتاحة و قد تغيب أحيانا في المراحل الصعبة من المرض تاركة المجال لعلاجات تضمن راحة المصاب فقط.
طبيعة اللوكيميا و نوعها و الشريحة المجتمعية التي يصيبها كل نوع منها، إضافة إلى نوع النسيج المعني بالسرطان يجعل السبل العلاجية تختلف حسب كل حالة.
من بين علاجات سرطان الدم -اللوكيميا- المتوفرة حاليا:
- العلاج الكيميائي: تستخدم العديد من الجزيئات التي يكون هدفها الرئيسي كبداية التخلص النهائي من الخلايا السرطانية.
- العلاج الإشعاعي: و يستعمل غالبا في علاج سرطان الدم اللمفاوي كوسيلة لعلاج تضخم العقد اللمفاوية.
- زراعة نخاع العظم: و هو وسيلة علاجية أثبتت نجاعتها و إمكانية تطبيقها في حالات اللوكيميا.
- العلاج المناعي: و يمثل علاجا واعدا نظرا لاستغلال الدفاعات الطبيعية للجسم كوسيلة أولى للوقوف ضد السرطان.
- علاج مخفف للأعراض: هذا العلاج يخص كل الفئات دون استثناء و هدفه الأول، ضمان الراحة و تحسين جودة حياة المريض.
- قد يصاحب العلاج الكيميائي أحيانا حقن مواد ضد سرطانية داخل الجهاز العصبي المركزي كنوع من العلاج المصاحب للعلاج الكيميائي الرئيسي.
العلاج في حالة سرطان الدم لا يتم تقريره من خلال رأي فردي، فالقرار الطبي يكون متعدد التخصصات نظرا للفروقات الفردية لكل حالة مصابة.
انطلاقا من المعطيات السريرية و البيولوجية، و بعد المشاورات الطبية التي قد تجمع عديد الآراء يتم الخوض في بروتوكول علاجي موحد.
يتم الأخذ في عين الاعتبار عمر و حالة المريض قبل بداية العلاج الكيميائي إذا استوجب هذا. و يتم رسم الأهداف العلاجية و وضع كل مريض تحت المتابعة لضمان النجاعة العلاجية القصوى.