اضطراب فرط نشاط الغدة الدرقية خلل شائع ينتج عن أسباب متعددة وله أعراض مختلفة. وبذلك تختلف طرق التشخيص والعلاج، فما هو هذا الاضطراب وكيف نتعرف عليه؟ ثم كيف يمكن للمصاب أن يتعايش معها؟
ماهي الغدة الدرقية؟
الغدة الدرقية هي أكبر الغدد الصماء حجما (يتراوح وزنها من 15 إلى 30 غ)، تتواجد على مستوى الجهة الأمامية للرقبة بالتحديد، في منتصفها الأسفل تفاحة آدم أمام القصبة الهوائية والمريء على شكل الحرف اللاتيني H. ذات لون بني محمر، تتكون من فُصّين مربوطين بواسطة شريط رفيع من النسيج الدرقي يسمى بالبرزخ (isthme). وتحتوي على حويصلات مسؤولة عن إفراز الهرمونات الدرقية والمتمثلة في: هرمون ثلاثي يود الثيرونين (المعروف اختصارا ب T3)، هرمون الثيروكسين (المعروف اختصارا ب T4 ) و هرمون ببتيد الكالسيتونين.
يتغير وزن وحجم الغدة الدرقية عند المرأة على حسب نشاطها التناسلي: البلوغ، الحمل و سن اليأس. فمثلا خلال الحمل يمكن أن يزيد حجم الغدة بنسبة تصل إلى 30 حتى 50%.
تعريف فرط نشاط الغدة الدرقية:
يتمثل فرط نشاط الدرقية في إنتاج الغدة الدرقية لكميات كبيرة فوق اللزوم للهرمونات الدرقية ما يتسبب في اختلال عمليات الأيض، و تسريع غالبية الوظائف داخل الجسم كتسريع معدل ضربات القلب، فقدان الوزن، القلق و التعب المزمن. فرط النشاط الدرقي اضطراب شائع عند النساء بنسبة 10 مرات مقارنة عند الرجال.
أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية:
إن اضطراب فرط نشاط الدرقية داء شائع، ينتج عن عدة أنواع من الاختلالات التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الغدة الدرقية. تشمل أهم الأسباب ما يلي:
- داء غريفز أو ما يعرف بداء بازدوف (بالفرنسية Maladie de BASEDOW) أو الدراق الجحوظي: يعد هذا المرض أحد اضطرابات المناعة الذاتية التي تتسبب في زيادة إنتاج الهرمونات الدرقية، حيث ينتج الجهاز المناعي أجساما مضادة غير طبيعية منافسة للهرمون المنبه للدرقية (TRAB). تعمل هذه الأخيرة على تثبيط عمل هرمونات الغدة النخامية بالتالي لا تتوقف الغدة الدرقية عن إنتاج الهرمونات لتتجاوز بذلك المعدل الطبيعي. لا يوجد حتى الآن سبب رئيسي للإصابة بهذا الداء، لكن العلماء اجتمعوا على عدد من عوامل الخطر قد تزيد من فرصة الإصابة بالمرض نذكر منها:
- التاريخ الصحي العائلي: حيث يعتقد البعض احتمالية وجود عوامل وراثية.
- الجنس: كما سبق الذكر فالنساء أكثر عرضة للإصابة بمرض بازدوف مقارنة بالرجال.
- العمر: بين 30 و 40 سنة.
- الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية: عل سبيل المثال التهاب المفاصل الروماتيدي.
- عقيدات الغدة الدرقية المتعددة (nodules thyroïdiens): عبارة عن أورام عادة ما تكون حميدة في الغدة الدرقية دون أن تكون سرطانية، لكن قد تصبح مفرطة النشاط وبالتالي تنتج كمية أكبر من الهرمونات.
- ورم الغدة الدرقية السمي (adénome toxique): حيث يكون ورم واحد حميد يزيد حجمه عن 2.5 سنتيمتر مسؤولا عن فرط إنتاج الهرمونات الدرقية.
- الاستهلاك المفرط لليود: قد يكون الاستهلاك عن طريق بعض الأدوية مثل البيتادين أو بعض مواد التباين (بالفرنسية produit de contraste) أو عند انتقال شخص للعيش من منطقة تعاني من نقص اليود في النظام الغذائي إلى منطقة غنية باليود وهو ما يعرف بظاهرة جود-بازدوف.
- استهلاك بعض الأدوية: مثل تناول الهرمونات الدرقية أو الليثيوم أو الإنترفيرون.
- التهاب الغدة الدرقية لدي كورفان (بالفرنسية Thyroïdite de De Quervain): هذا المرض ناتج عن الإصابة ببعض أنواع العدوى الفيروسية، حيث يؤدي إلى ظهور أعراض فرط النشاط الدرقي للوهلة الأولى ثم يليها ظهور أعراض القصور الدرقي المؤقتة أو الدائمة.
- التهاب الغدة الدرقية الصامت: يعتبر أحد أمراض المناعة الذاتية، وكما يدل عليه الاسم فهذا الاضطراب غالبا ما يمر دون أن يظهر أي أعراض وقد يشفى تلقائيا خلال أسبوعين أو 4 أسابيع، أو قد يتحول إلى قصور الغدة الدرقية مؤقت أو دائم.
- ورم الغدة النخامية: ينتج عنه فرط إنتاج الهرمون المنبه للغدة الدرقية وبالتالي تحفيز الغدة الدرقية المتواصل على إنتاج الهرمونات.
- سرطان الغدة الدرقية.
- التهاب ما بعد الولادة: يصيب 5 إلى 10% من النساء حديثات الولادة حيث تظهر أولا حالة فرط النشاط تليها فيما بعد حالة خمول.
أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية:
إن زيادة كمية الهرمونات الدرقية داخل الجسم يسرع من عمليات الأيض، وبالتالي ينتج عن هذا أعراض مختلفة نلخصها فيما يأتي:
- فقدان الوزن
- زيادة الشهية
- زيادة سرعة ضربات القلب
- عدم انتظام ضربات القلب مرافق للخفقان
- القلق والعصبية
- الرعاش
- التعرق
- الإحساس بالحرارة
- وهن وضعف عضلي
- الأرق
- الإسهال
- عدم انتظام الدورة الشهرية
- الحكة
- شعر هش و ناعم
- انخفاض الكريات البيضاء في الدم ما يؤدي إلى ضعف المناعة
- أعراض خاصة بداء غريفز (مرض بازدوف):
- بروز العينين و تورمهما
- احمرار في العينين
- ألم في العينين
- جفاف العينين
كيف يتم تشخيص فرط النشاط الدرقي؟
غالبا ما يتم تشخيص المرض بعد ظهور بعض الأعراض لدى المصاب من خلال فحوصات روتينية غير متعلقة بالمرض نفسه. يتم تأكيد تشخيص الإصابة باضطراب فرط نشاط الغدة الدرقية بالاستناد على نتائج التحاليل و الفحوصات الطبية المتخصصة والتي نتطرق إليها تاليا:
- التحاليل البيولوجية: والتي تتم باختبار عينة من دم المريض لقياس:
- نسبة الهرمونات الآتية: الهرمون المنبه للدرقية (المعروف اختصارا بـ TSH)، هرمون ثلاثي يود الثيرونين (المعروف اختصارا بـ T3)، هرمون الثيروكسين (المعروف اختصارا بـ T4)
- كمية الأجسام المضادة في حالة أمراض المناعة الذاتية
- نسبة مادة التيروغلوبيلين TG
- نسبة اليود في البول
- كما يمكن للطبيب أن يطلب إجراء تحاليل أخرى لأجل تحديد مدى تأثير الاضطراب على باقي الجسم. مثل: نسبة الكالسيوم، نسبة الكوليسترول.
- اختبار امتصاص الغدة الدرقية والمسح الضوئي (scintigraphie thyroïdienne)
- التصوير بالأمواج فوق الصوتية (échographie) لتحديد حجم الغدّة وتحديد خصائصها الصورية.
علاج فرط نشاط الغدة الدرقية:
يختلف علاج اضطراب زيادة النشاط الدرقي على حسب السبب ومدى تأثيره على باقي أعضاء الجسم. يمكن تقسيم طرق العلاج إلى أربعة أنواع:
- علاج الأعراض بشكل خاص: كعلاج اضطرابات القلب و الإسهال.
- الأدوية المضادة للدرقية: حيث تعمل على تثبيط إنتاج الهرمونات الدرقية.
- العلاج باليود المشع: يكون عن طريق الفم، بعد امتصاصه من طرف الغدة الدرقية يعمل على تدمير الورم المتسبب في الخلل. لكن مرافقة لهذا العلاج يتوجب على المريض أخذ الهرمونات الدرقية حتى لا يتحول اضطراب فرط النشاط إلى قصور الدرقية، كما يجب التنويه إلى ضرورة تجنب الحمل خلال الستة أشهر التالية نظرا لخطر التشوهات الجنينية الناتجة عن هذا العلاج.
- العلاج الجراحي: إما بإزالة الغدة الدرقية كاملة أو فقط جزء منها بعد علاج تحضيري مسبق، ولاحقا المرافقة بعلاج هرموني بديل مدى الحياة.
يمكن أن يشمل العلاج أدوية أخرى في حالات خاصة مثل: الكورتيكويد في علاج الدراق الجحوظي، الليثيوم، اليود الطبيعي.
نصائح طبية للمصاب باضطراب فرط نشاط الدرقية:
إضافة إلى العلاج الطبي الموصوف من طرف الأطباء، يتوجب على المرضى المساهمة في الحفاظ على توازن جسمهم قدر المستطاع، فسلوكيات وعادات بسيطة قد تحدث فرقا كبيرا في حياتهم نلخصها فيما يأتي:
- ممارسة الرياضة بانتظام: لتقليل التوتر والمساعدة على الاسترخاء
- أخذ قسط كافي من النوم وبالتالي الحصول على الراحة الجسدية اللازمة
- اتباع نظام غذائي عالي السعرات: حوالي 40 كيلو كالوري لكل كيلوغرام من وزن الجسم
- استهلاك الخضر و الفواكه الطازجة مع إمكانية الاستعانة بمكملات غذائية بموافقة الطبيب المعالج: فيتامينات A و B1 و B2 و B6 و B12 و C
- تناول الأطعمة النشوية الغنية بالألياف كالبطاطا والأرز
- شرب الكثير من السوائل: 3 إلى 4 لترات من الماء يوميا
- الابتعاد عن الأطعمة الدهنية
- تجنب استهلاك اليود بكميات كبيرة وذلك بالانتباه إلى الأطعمة التي تحتويه: ملح الطعام، الأعشاب البحرية.
- تجنب المنبهات مثل الكافيين، التدخين و الشكولاطة.