يعتبر مرض باركنسون ثاني أسباب العجز الحركي بعد السكتة الدماغية. فهو يصيب حوالي 5% من الأشخاص الذين تخطو سن 70 سنة، مسببا تدهورا متفاقمًا في جودة حياتهم اليومية.
ما يثير القلق حيال داء باركنسون هو تراجع سن الإصابة في السنوات الأخيرة. فقد لوحظ مؤخرًا تسجيل عدة إصابات قبل بلوغ سن 60 سنة، مما يستدعي معرفة المزيد حول أسباب المرض و طرق الوقاية منه.
ما هو مرض باركنسون؟
مرض باركنسون هو ثاني أكثر أمراض التآكل العصبي شيوعا بعد الزهايمر. و نقصد بهذا التآكل العصبي، عملية تحطم و تحلل مناطق دماغية معينة بشكل مستمر و متفاقم. المثير للاهتمام عند مرضى باركنسون، هو أن هذا التحلل العصبي يمس منطقة محددة في الدماغ تحتوي على العصبونات المُفرزة للدوبامين (Dopamine) مما يسبب ظهور الأعراض و تفاقمها بشكل يتناسب مع نسبة التحلل العصبي.
يجدر الإشارة أن هذه العصبونات في حالتها العادية تلعب دورا هاما في تناسق الحركة الإرادية و اللاإرادية مما يسهل القيام بمختلف النشاطات اليومية عند الشخص السليم. كما أنها تؤثر بطريقة غير مباشرة على الليونة العضلية إضافة إلى الجانب الفكري و النفسي عن طريق الحفاظ على مستويات معتدلة من الأستيل كولين (Acétylcholine). و هذا ما يفسر لنا الأعراض التي تظهر على مرضى باركنسون نتيجة تحطم هذه العصبونات.
ما هي أعراض مرض باركنسون؟
مثلما سبق و ذكرنا، فإن الأعراض تتناسب مع نسبة التحلل العصبي. فكلما نقص عدد عصبونات الدوبامين الوظيفية، تفاقمت الأعراض و أصبحت أكثر وضوحا. لذلك فإننا نستطيع تصنيف أعراض داء باركنسون إلى نوعين:
1 – أعراض باركنسون المبكرة:
هذه الأعراض قد تكون أول علامات الإصابة بداء باركنسون، خاصة إذا تواجدت سويا عند شخص يتراوح عمره بين 50 و 70 سنة. لذلك يستحسن في هذه الحالة زيارة طبيب الأعصاب لمعاينة الشخص و معرفة ما إذا كان يحتاج متابعة خاصة.
العلامات المبكرة لداء باركنسون هي:
- الرعاش
- التشنجات العضلية
- الاكتئاب
- تعب غير عادي و بشكل متفاقم
- خمول و لامبالاة
2 – الأعراض المميزة لـ باركنسون:
تواجد هذه الأعراض يميز مرض باركنسون و يسمح للطبيب بتشخيص الإصابة دون الحاجة لأية تحاليل اضافية في أغلب الحالات:
- الرعاش : ذو إيقاع بطيء و متكرر، يمس عادة اليدين و بشكل خاص الأصابع، إضافة إلى الشفتين و الذقن أحيانا. تزداد شدة الرعاش عند التعب أو خلال القيام بمجهود ذهني. بينما نلاحظ تناقصه أو حتى اختفائه خلال النوم أو القيام بحركات إرادية.
- بطئ الحركة : هو أحد أهم مميزات داء باركنسون. حيث نلاحظ عادة صعوبة و ثقلا كبيرين عند البدء في حركة معينة كالانطلاق في المشي أو النهوض من السرير. إضافة الى تباطؤ الحركة، فإننا نلاحظ ندرة بعض الحركات اللاإرادية و تغير في طريقة المشي. فعادة ما يتمشى مرضى باركنسون بخطوات جد صغيرة و بدون أي تأرجح لليدين.
- صلابة عضلية : وجود الصلابة العضلية إضافة إلى انحناء الرأس و الظهر إلى الأمام تساهم بشكل كبير في تشخيص المرض
- اختفاء تعابير الوجه : مع مرور الوقت و فقدان الإيماءات اللاإرادية، يكتسب مرضى باركنسون تعبير وجه مُثَبَت خال من التعابير مع اختفاء التجاعيد في بعض الحالات.
- تلعثم في الكلام : في حالات كثيرة يفقد المريض سلاسة الكلام مع انخفاض في شدة الصوت
- خلل في الكتابة : نلاحظ عادة أن خط مرضى باركنسون يتغير مع مرور الوقت إلى كتابة جد صغيرة و غبر منتظمة
- اكتئاب : في 50% من الحالات يعاني المريض من حالة اكتئاب.
- فقدان حاسة الشم : في عديد من الأحيان نلاحظ فقدان حاسة الشم بعد الإصابة بالمرض.
- خلل في الوظائف العامة : كصعوبة في البلع، في التحكم بالمثانة، مشاكل النوم، انخفاض ضغط الدم، و غيرها.
تجدر الإشارة أن مرض باركنسون ينقسم إلى عدة أنواع حسب نوعية الأعراض و شدتها. كما أن الفحص السريري للمريض من طرف الطبيب المختص يسمح بالكشف عن أعراض أخرى و استبعاد مشاكل مختلفة في الجهاز العصبي.
أسباب مرض باركنسون:
في الحقيقة لا يمكن تحديد سبب مرض باركنسون بشكل مباشر. غير أن الدراسات بينت أن بعض العوامل تزيد من خطر حدوث المرض:
- انخفاض نسبة استهلاك المأكولات الغنية بمضادات الأكسدة : يوجد عديد من الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة و التي تعمل على حماية الجهاز العصبي من التلف كالتوت، الخرشوف، الشكولاطة الداكنة، السبانخ، و العنب. تناول هذه المأكولات يقلل من خطر الإصابة بداء باركنسون
- استعمال مبيدات الحشرات و المواد السامة: حيث أن نسبة الخطر تتضاعف كلما زادت نسبة التعرض للمبيدات الحشرية و هذا بسبب مساهمتها في التلف العصبي
- بعض أنواع العدوى البكتيرية : في بعض الحالات قد يسبب الالتهاب تلفًا عصبيا ملحوظًا
- بعض أنوع الأدوية : كمضادات الاكتئاب
- مرض ويلسون: هو مرض وراثي يتسبب في تراكم النحاس داخل الجسم، مع إمكانية تراكمه على مستوى الجهاز العصبي
- أسباب جينية و عرضة عائلية : تم ملاحظة وجود جينات قد يكون لها دور في زيادة خطر الإصابة بالمرض عند بعض العائلات
- أسباب مباشرة : في حالات نادرة قد تتسبب السكتة الدماغية أو بعض إصابات الرأس في تلف عصبونات الدوبامين بشكل مباشر.
ما هو علاج مرض باركنسون؟
علاج مرض باركنسون يسمح بإعادة التوازن و تصحيح الاختلال الناتج عن تلف عصبونات الدوبامين. و لكنه لا يوقف التلف العصبي و بذلك فإنه يعمل فقط على التخلص من الأعراض لبضعة سنوات.
مثلما سبق و ذكرنا فإن أعراض مرض باركنسون ناتجة عن انخفاض في نسبة الدوبامين و ارتفاع في نسبة الأستيل كولين. لذلك فإن الأدوية التي يتم اعطاؤها تعمل أساسا على رفع نسبة الدوبامين و خفض نسبة الأستيل كولين و هي تنقسم إلى عدة أنواع يتم اختيار النوعية الأمثل من طرف الطبيب حسب حالة المريض العامة.
في بعض الحالات، بدأ استعمال العلاج الجراحي المُتمثل في التحفيز العميق للدماغ، و الذي يسمح أيضا بالتخلص من الأعراض دون إيقاف التفاقم المرضي. حيث يتم زراعة أقطاب كهربائية على مستوى المخ لتحفيز خلايا الدوبامين و استعادة نشاطها.
إضافة إلى هذه العلاجات، من المهم مساعدة المريض بحصص إعادة التأهيل الحركي، الدعم النفسي، و المساعدة العامة.
الأعراض الجانبية لعلاج داء باكنسون:
تختلف الأعراض الجانبية حسب نوعية العلاج و استجابة المريض. قد نلاحظ في بعض الأحيان دوار، قيء، مشاكل في الهضم، خلل سلوكي (زيادة الرغبة في الاستمتاع، الشراء و الأكل، زيادة الرغبة الجنسية، ظهور حركات لا إرادية، و غيرها). قد نلاحظ أيضا جفاف الفم، تضخم البروستات و أعراض أخرى يتم مراقبتها من طرف الطبيب و تفاديها عن طريق اختيار النوع و الجرعة المناسبين للدواء.
فعالية علاج مرض باركنسون:
يمر المصاب بداء باركنسون على عدة مراحل خلال تلقيه للعلاج. و هي كالتالي :
- مرحلة شهر العسل : تدوم حوالي 3 إلى 8 سنوات، تكون فيها استجابة المريض مثالية للعلاج مع اختفاء شبه كلي للأعراض
- مرحلة التذبذبات الحركية : في هذه المرحلة تنقص فعالية العلاج. حيث أن المريض يبدأ بإظهار أعراض المرض خلال فترات متقطعة إضافة إلى بعض الحركات اللاإرادية المتعلقة بالآثار الجانبية للعلاج.
- مرحلة التدهور : حيث تختفي استجابة المريض للعلاج بشكل شبه كلي، مع ظهور الأعراض الحركية و الاضطرابات المعرفية للمرض بشكل كبير و متفاقم.