إن قدوم مولود جديد إلى العائلة تجربة رائعة، لكنها أحيانا تأتي مصحوبة بمشاعر غريبة بعد الولادة. ويصبح من الصعب فهم الحالة النفسية والجسدية للمرأة خاصة مع الجهد البدني الذي يرافق الولادة ما يعرض الأم لاضطرابات نفسية وعصبية تتراوح بين الغضب الشديد والقلق والتوتر. كل هذه المشاعر قد تكون مؤشرا على اكتئاب ما بعد الولادة، هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال مع الأخصائية النفسانية هالة غلاش مختصة في علم النفس العيادي.
ماذا يقصد باكتئاب ما بعد الولادة ؟
هي حالة نفسية تمر بها الأم بعد الولادة. تبدأ الحالة ما بين الأسبوع الأول إلى الأسبوع الثالث، وقد تستمر إلى سنة. ويعتبر اكتئاب ما بعد الولادة نوعا من أنواع الاكتئاب الشائعة، قد تشعر المرأة خلاله بتغيرات مختلفة في الحالة المزاجية، مما يجعلها ترفض فكرة الاعتناء بطفلها.
ماهي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة ؟
قد تظهر بعض الأعراض عند الأم مباشرة بعد الولادة أو تستمر لعدة أسابيع. وتختلف حدة الاكتئاب من الطفيف إلى الشديد حسب شخصية كل امرأة، والتي تشمل ما يلي:
- تشعر الأم برغبة دائمة في البكاء، وأنها لا تستحق أن تكون أما
- اضطرابات النوم والأرق
- التوتر الشديد والقلق
- التقلبات المزاجية
- نقص الاهتمام بالرضيع
- العزلة والابتعاد عن العائلة
- صعوبة التركيز
- فقدان الاهتمام بالأمور
- سرعة الانفعال والغضب
- عدم التحكم في الشهية أو فقدانها بشكل غير طبيعي
وفي حالة عدم علاج هذا الاكتئاب، يمكن أن تستمر أعراضه لفترات طويلة.
حسب خبرتكم، ما هي الأسباب التي تجعل المرأة تصاب باكتئاب بعد الولادة؟
لا تزال أسباب هذه الحالة غير معروفة، لكن هناك عوامل عديدة تزيد من احتمالية الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، نذكر منها الآتي:
أسباب جسدية:
بعد الولادة يحدث للمرأة انخفاض في هرمونات الغدة الدرقية، إضافة إلى انخفاض في مستويات هرموني البروجسترون والاستروجين.
أسباب نفسية اجتماعية:
- اضطرابات نفسية لم يتم علاجها من قبل
- رفض الأم للحمل
- مشاكل و اضطراب في العلاقة الزوجية
المشاكل المرتبطة بالحمل:
- التوتر والقلق والانفعال الشديد حول سلامة الحمل
- إذا تعرضت المرأة للإجهاض بشكل متكرر
مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة:
يعتبر اكتئاب ما بعد الولادة مشكلة حقيقية، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة بدون رعاية متخصصة، حتى أنه قد يتسبب في بضعة حالات مرضية، منها:
- مرض الانفصام العقلي (schizophrénie)
- الإصابة بمرض الذهان (psychose)
- الإصابة بالهوس الاكتئابي أو ما يسمى بالاضطراب ثنائي القطب (psychose maniaco depressive)
من هي الفئة الأكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة ؟
في الواقع لا يوجد معيار أساسي لتحديد فئة معينة من النساء. ولكن توجد بعض العوامل قد تجعل الأم أكثر عرضة للإصابة بهذا الاكتئاب:
- أول عامل هو التاريخ النفسي للمرأة، إذا كانت تعاني مثلا من مشاكل نفسية منذ طفولتها
- تعتبر المشاكل في العلاقة الزوجية خاصة في فترة الحمل عاملا مساعدا في خطر الإصابة
- إذا كان هناك إهمال أو عنف أو مناوشات مع الزوج فقد تصبح المرأة عرضة للإصابة أيضا باكتئاب ما بعد الولادة
علاج اكتئاب ما بعد الولادة:
العلاج المتخصص هو أفضل طريقة لرعاية طفلك ونفسك. وهناك عدة عوامل قد تساعد على علاج اكتئاب ما بعد الولادة، نذكر منها:
- الدعم العاطفي والمعنوي من طرف الزوج، وهو من أهم العلاجات التي تساعد الزوجة على تحسين مزاجها، وتشجيعها على تخطي هذه المرحلة الحساسة مع إعطائها دافعا قويا لإنجاز مهامها كأم
- أخذ المرأة قسطا من الراحة الجسدية يوميا
- إتباع نظام غذائي صحي متوازن غني بالفيتامينات
- الابتعاد عن أي ضغوطات جسدية أو نفسية لتخطي مشاعر الاكتئاب وإعادة التوازن إلى الحياة
- الاستعانة بالأهل والأصدقاء حتى تتمكن الأم من تجاوز المرحلة الحساسة، فالجو العائلي والخروج في نزهة يوميا يساعد كثيرا في تحسين حالتها النفسية
وأخيرا سيدتي، الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة أمر شائع. لا داعي لأن تشعري بالإحراج، حاولي التعبير عن مشاعرك وأفكارك ومخاوفك مع مختص نفسي أو متخصص في الصحة العقلية.
قد يوصي الطبيب المعالج بالخضوع لفحوصات الحالة الطبية ما بعد الولادة. كلما تم اكتشاف حالتك مبكرا زادت فرصتك للتعافي عبر وضع خطة علاجية. لا تقلقي بشأن الأعراض، فقد تتحسن في الغالب بوجود الرعاية المناسبة.